Cuthman Ibn Caffan
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Noocyada
يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إيمانه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس. فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط، ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منذ هداني الله، ولا قتلت نفسا، ففيم يقتلونني؟»
على أن الثوار المحاصرين لدار عثمان ما لبثوا أن شرعوا في تنفيذ ما توعدوه به وأخذوا يدبرون قتله، فأشرف عليهم عثمان من داره، وصاح فيهم: يا قوم، لا تقتلوني فإني وال وأخ مسلم، فو الله إن أردت إلا الإصلاح ما استطعت أصبت أو أخطأت، وإنكم إن تقتلوني لا تصلوا جميعا أبدا ولا تغزوا جميعا أبدا ولا يقسم فيؤكم بينكم. ثم عاد عثمان يناشد الثوار التعقل والروية، ولما أيقن أنه أخفق في حث الثوار على العدول عن موقفهم بدا عليه الحنق والغيظ، وتوجه إلى ربه بالدعاء عليهم، فقال: «اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا.»
طال حصار الثوار لدار عثمان، وساءت معاملتهم له، فمنعوه من الخروج والصلاة في مسجد النبي وحالوا دون وصول الماء إليه، فأرسل عثمان إلى بعض أصحاب النبي وأمهات المؤمنين يطلب إليهم أن يمدوه بحاجته من الماء ، فسارع علي إلى تلبية رغبته، وأقبل على الثوار، وقال لهم: «إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي، وما تعرض لكم هذا الرجل، فبم تستحلون حصره وقتله؟!» قالوا: «لا والله ولا نعمة عين، لا نتركه يأكل ولا يشرب.»
قيل: إن الحصار استمر أربعين يوما. وكان عثمان من حين لآخر يحذر الثائرين الفتنة ويذكرهم بآيات الله، فلا يحفلون به. وبينما هو على هذه الحال، إذ دعاه رجل من الصحابة يدعى نيار بن عياض الأسلمي أن يخلع نفسه، فرماه كثير بن الصلت الكندي - أحد الذين كانوا يدافعون عن عثمان - بسهم أصاب منه مقتلا؛ فطلب الثوار من عثمان أن يسلمهم قاتل ابن عياض ليقتلوه به، فأبى عثمان تسليمه لهم، وقال: «لم أكن لأقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي.» ولم يلبث الثوار أن أقدموا على مهاجمة دار عثمان وأشعلوا النار في بابها والسقيفة التي عليه، فخرج إليهم أصحاب عثمان يقاتلونهم ويصدونهم عن الدار. ودار بين الفريقين قتال عنيف، وأصيب فيه كثير من أنصار عثمان بجراح وقتل آخرون. ولم يكتف الثوار بذلك، بل أخذوا يتسللون إلى دار عثمان عن طريق دار عمرو بن حزم الأنصاري، فوجدوا عثمان يقرأ في المصحف سورة البقرة. وتقدمهم محمد بن أبي بكر الذي أمسك بلحية عثمان؛ وقال له: «قد أخزاك الله يا نعثل!» (ونعثل هذا كان رجلا يهوديا من أهل المدينة يشبه عثمان في طول وكثافة لحيته.) فاستاء عثمان من فعله وقال له: «لست بنعثل ولكن عبد الله وأمير المؤمنين.» واستمر ابن أبي بكر يجذب لحية عثمان وهو يقول لعثمان: «ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك؟» فقال له عثمان: «يا ابن أخي دع عنك لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه.» فرد عليه ابن أبي بكر بقوله: «لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك، وما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك.» فقال عثمان في صبر وجلد: «أستنصر الله عليك وأستعين به.» فطعنه ابن أبي بكر في جبينه بمشقص (وهو سهم له نصل عريض)، ثم رفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف فضربه به. وأراد عثمان أن يتقي ضربة السيف بيده فقطعها، كما أكبت عليه زوجه نائلة، وتلقت السيف عنه بيدها، فقطع إصبعها. وضرب سودان بن حمران المرادي عثمان في جنبه فخر صريعا. وكان ذلك في يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35ه، ثم هجم العامة على الدار فنهبوها كما نهبوا بيت المال.
لم يسمح الثوار في بادئ الأمر بدفن جثمان عثمان، فظل ثلاثة أيام دون دفن. وطلب بعض القرشيين من علي بن أبي طالب أن يتوسط لدى الثوار؛ ليسمحوا بمواراة جثمانه التراب؛ فأذنوا بدفنه. ولم يشهد جنازته سوى مروان بن الحكم وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة العدوي، ونيار بن مكرم، وزوجتي عثمان نائلة بنت الفرافصة وأم البنين بنت عيينة. وحاول الدهماء قذف جنازة عثمان بالحجارة، فنهرهم علي بن أبي طالب، وهرع القوم بالجثمان ليواروه متخذين من الظلام ستارا يحجبهم عن عيون الثوار.
Bog aan la aqoon