Cuthman Ibn Caffan
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Noocyada
وكان هناك فريق من المسلمين يملك كثيرا من المال بالحجاز، فاشتروا بهذا المال أرضا في بلاد العراق التي اشتهرت بالخصب والثراء، وأصبح عدد كبير منهم من كبار الأثرياء مما أدى إلى تذمر العرب الذين كانوا يقيمون في أمصار العراق، وازداد سخطهم على عثمان وولاته لحرمانهم من الفيء والغنائم، وطالبوا الخليفة بألا يعطي من الفيء إلا الذين قاتلوا عليه. كما أن كثيرا من سكان الأمصار الإسلامية أظهروا عدم ارتياحهم لسياسة عثمان.
أخذت بعض الشخصيات تثير السخط في نفوس أهل هذه الأمصار. من ذلك ما قام به عبد الله بن سبأ - وكان يهوديا من أهل صنعاء ببلاد اليمن ثم اعتنق الإسلام في أيام عثمان - إذ تنقل في الأمصار الإسلامية محاولا إثارة الناس ضد عثمان. ففي البصرة تأثر بدعوته كثير من العامة. ولما تناهى أمره إلى عبد الله بن عامر أخرجه منها، فرحل إلى الكوفة يبث دعوته، ثم طرد ابن سبأ من الكوفة، فقصد الشام، لكن معاوية ما لبث أن أمره بالرحيل عنها، فذهب إلى مصر حيث أخذ ينشر دعوته، ويرسل منها رسله إلى أشياعه في البصرة والكوفة؛ وكانت دعوته تتضمن أن لكل نبي وصيا، وأن عليا وصي محمد وأنه خاتم الأوصياء بعد محمد خاتم الأنبياء، وبذلك هيأ العقول إلى أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق من علي وصي رسول الله.
ومن الشخصيات التي عارضت سياسة عثمان أبو ذر الغفاري - أحد كبار أئمة الحديث - الذي دعا إلى إصلاح أحوال المسلمين وتخفيف الفروق بين الأغنياء والفقراء. ذلك أن العرب الذين نزحوا إلى الولايات المفتوحة حصلوا على ثروات كبيرة، في حين كان إلى جوارهم بعض المسلمين يحيون حياة أقرب إلى الفاقة منها إلى التقشف. وصار أبو ذر ينكر على عثمان سياسته في التولية والعزل. فلما أمره عثمان بالرحيل إلى الشام، رحل إليها وأخذ يقول هناك ما قاله في المدينة، ويدعو إلى مواساة الفقراء، وما زال ينشر دعوته حتى رأى معاوية بن أبي سفيان أن يختبر صدق نوايا أبي ذر، فبعث إليه ذات ليلة برسول يحمل إليه ألف دينار، ثم أوعز إلى رسوله في الصباح ليستردها منه معتذرا بأن المقصود بها غيره، فوجد أن أبا ذر وزعها على الفقراء، فأيقن معاوية أن أبا ذر جاد في دعوته. ولما خشي معاوية على أهل الشام من دعوة أبي ذر وكثرت شكايات الأغنياء مما يلقون من الفقراء، كتب يشكو منه إلى عثمان؛ فبعث عثمان إلى معاوية يأمره بإنفاذه إليه، ثم أذن له بعد قدومه إلى المدينة بالإقامة في الربذة؛
1
وصار يجري عليه العطاء حتى مات.
رأى عثمان إزاء الدعايات السيئة في الأمصار الإسلامية ضد سياسته أن يبعث في طلب ولاته على هذه الأمصار في موسم الحج سنة 34ه ليكشفوا له عن أسباب الفتنة؛ فقدم عليه عبد الله بن عامر ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن أبي سرح وسعيد بن العاص وعمرو بن العاص؛ فلما اجتمع شملهم في الموسم، قال لهم: «إن لكل إمام وزراء ونصحاء، وإنكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي. وقد صنع الناس ما رأيتم وطلبوا إلي أن أعزل عمالي وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون؛ فاجتهدوا رأيكم وأشيروا علي.» فقال له ابن عامر: «أرى لك يا أمير المؤمنين أن تشغلهم بالجهاد عنك حتى يذلوا لك ولا يكون همة أحدهم إلا في نفسه ...» وقال سعيد: «احسم عنك الداء، فاقطع عنك الذي تخاف. إن لكل قوم قادة متى تهلك يتفرقوا ولا يجتمع لهم أمر»؛ فقال عثمان: «إن هذا هو الرأي لولا ما فيه.» وقال معاوية: «أشير عليك أن تأمر أمراء الأجناد فيكفيك كل رجل منهم ما قبله وأكفيك أنا أهل الشام.» وقال عبد الله بن سعيد: «إن الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.» ثم قام عمرو بن العاص، فقال: «يا أمير المؤمنين إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية فقلت وقالوا وزغت وزاغوا. فاعتدل أو اعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزما وأقدم قدما.» فقال له عثمان: «أهذا الجد منك؟» فسكت عمرو حتى تفرقوا فقال: «والله يا أمير المؤمنين لأنت أكرم علي من ذلك، ولكني علمت أن بالباب من يبلغ الناس قول كل رجل منا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي، فأقود إليك خيرا وأدفع عنك شرا.»
لما عاد عثمان إلى المدينة بعد أن فرغ من مشاورة ولاته. عقد مجلسا آخر شهده معاوية بن أبي سفيان وبعض كبار الصحابة، ومن بينهم علي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص. وبدأ معاوية الحديث بقوله: «أنتم أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وخبرته وولاة أمر هذه الأمة، لا يطمع في ذلك أحد غيركم، اخترتم صاحبكم من غير غلبة ولا طمع ، وقد كبرت سنه وولى عمره، ولو انتظرتم به الهرم كان قريبا، مع أني أرجو أن يكون أكرم على الله أن يبلغ به ذلك، وقد فشت قالة خفتها عليكم، فما عتبتم فيه من شيء فهذه يدي لكم به ولا تطمعوا الناس في أمركم، فوالله لئن طمعوا في ذلك لا رأيتم فيها أبدا إلا إدبارا.» فرد علي بن أبي طالب على مقالة معاوية بقوله: «وما لك وذلك؟ وما أدراك، لا أم لك.» فغضب معاوية إذ عرض علي بأمه هند وقال: «دع أمي مكانها، ليست بشر أمهاتكم، قد أسلمت وبايعت النبي
صلى الله عليه وسلم ، وأجبني فيما أقول لك.» فقال عثمان: «صدق ابن أخي إني أخبركم عني وعما وليت، إن صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتسابا، وإن رسول الله
Bog aan la aqoon