كان الألمانيون يختلفون في الدين المسيحي على نحو ما يختلف الإيرانيون مع الأفغانيين في مذاهب الديانة الإسلامية، فلما كان لهذا الاختلاف الفرعي أثر في الوحدة السياسية، ظهر الضعف في الأمة الألمانية، وكثرت عليها عاديات جيرانها، ولم يكن لها كلمة في سياسة أوروبا، وعندما رجعوا إلى أنفسهم وأخذوا بالأصول الجوهرية، وراعوا الوحدة الوطنية في المصالح العامة، أرجع الله إليهم من القوة والشوكة ما صاروا به حكام أوروبا وبيدهم ميزان سياستها.
رجاؤنا في الأفاضل الكرام صاحب جريدة «فرهنك» الأصفهانية، وصاحب جريدة «أطلاع» الطهرانية، وسائر أرباب الجرائد الإيرانية أن يوجهوا أفكارهم إلى هذا المطلب الرفيع، ويجعلوا له محلا فسيحا في جرائدهم، وينشروها في بلادهم، وبلاد الأفغان، باللسان الفارسي، وهو لسان الطائفتين، وما هي إلا أيام ثم نرى علائم النجاح - إن شاء الله رب العالمين.
الفصل السابع عشر
امتحان الله للمؤمنين
الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين . (العنكبوت: 1-3)
من الناس، بل أغلب الناس، من يقول: آمنا، وللإيمان آثار، ثم يحسبون أن الله يتركهم وما يقولون، ويدعهم وما يتوهمون، ويعاملهم - سبحانه - وهو الحكم العدل بما يظنون في أنفسهم قبل أن يبتليهم أيهم أحسن عملا، حتى تظهر أنفسهم لأنفسهم، ويعلموا هل هم حقيقة مؤمنون أو هذه دعوى سولتها النفس، وغرت بها الأماني، وأنهم تائهون في أوهامهم يحسبون أنهم على شيء، وهم خلو من كل شيء، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، إلا في غيه حتى يبتليه في دعوى الإيمان ليعلم الله الذين جاهدوا ويعلم الصابرين ولئلا تكون للناس على الله حجة.
حاشا حكيما، أنزل الكتب وأرسل الرسل، ووعد وأوعد وبشر وأنذر، وقوله الصدق ووعده الحق؛ أن يجازي من بني عقيدته على خيال ليس له أثر، وظن ليس له أساس، وبالسعادة السرمدية، والنعيم الأبدي، إن المغتر بزعمه، الحائر في ظلمات أوهامه، الذي لا يسهل عليه الإيمان احتمال المشاق وتجشم المصاعب في سبيله؛ ليس بمعزل عن المنافقين الذين حكم الله عليهم بالشقاء الأبدي والعذاب المخلد.
الإيمان يغلب كل هوى، ويقهر كل أمنية، ويدفع بالنفس إلى طلب مرضاة الله بلا سائق ولا قائد سواه، يقول الله - وهو أصدق الصادقين:
لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين * إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون (التوبة: 44-45)، هذا قضاء الله وهذا حكمه على الذين يستأذنون في بذل أرواحهم وأموالهم في أداء فريضة الإيمان، حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون.
صدق الله وصدقت كتبه ورسله، إن للعقائد الراسخة آثارا تظهر في العزائم والأعمال وتأثيرا في الأفكار والإرادات، لا يمكن للمعتقدين أن يزيحوها عن أنفسهم ما داموا معتقدين، هكذا الإيمان في جميع شئونه وأطواره، له خواص لا تفارقه، ونزعات لا تزايله، وصفات جليلة لا تنفك عنه، وخلائق عالية سامية لا تباينه، بها كان يمتاز المؤمنون في الصدر الأول، وكان يعترف بمزيتهم وعلو منزلتهم من كانوا يجحدون عقيدتهم، نعم، هم الذين صبروا في نيران امتحان الله وابتلائه حتى ظهر إيمانهم ذهبا إبريزا صافيا من كل غش، وأعد الله لهم جزاء على صبرهم نعيما مقيما، ما أصعب ابتلاء الله وما أشد فتنته، وما أدق حكمته في ذلك ليميز الله الخبيث من الطيب!
Bog aan la aqoon