وكان حقا علينا نصر المؤمنين .
الفصل التاسع
الوحدة الإسلامية
وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم . •••
أظلت ولاية الإسلام ما بين نقطة الغرب الأقصى إلى تونازني على حدود الصين في عرض ما بين فازان من جهة الشمال وبين سرنديب تحت خط الاستواء. أقطار متصلة، وديار متجاورة، يسكنها المسلمون، وكان لهم فيها السلطان الذي لا يغالب. أخذ بصولجان الملك منهم ملوك عظام، فأداروا بشوكتهم كرة الأرض إلا قليلا، ما كان يهزم لهم جيش، ولا يعكس لهم علم، ولا يرد قول على قائلهم، قلاعهم وصياصيهم متلاقية، ومنابتهم ومغارسهم في سهوبهم (أراضيهم السهلة الواسعة) وأخيافهم (الأراضي المنحدرة عن الجبل) رابية مزدهية بأنواع النبات، حالية بأصناف الأشجار، صنع أيدي المسلمين، ومدنهم كانت آهلة مؤسسة على أمتن قواعد العمران تباهي مدن العالم بصنائع سكانها وبدائعهم، وتفاخرها بشموس الفضل، وبدور العلم، ونجوم الهداية، من رجال لهم المكان الأعلى في العلوم والآداب.
كان في نقطة الشرق من حكمائهم: ابن سينا والفارابي والرازي، ومن يشاكلهم. وفي الغرب ابن باجه وابن رشد وابن الطفيل، ومماثلوهم. وما بين ذلك أمصار تتزاحم فيها أقدام العلماء في الحكمة والطب والهيئة والهندسة وسائر العلوم العقلية، هذا فضلا عن العلوم الشرعية التي كانت عامة في جميع طبقات الملة، كان خليفتهم العباسي ينطق بالكلمة فيخضع لها فغفور الصين،
1
وترتعد منها فرائص أعظم الملوك في أوروبا، ومن ملوكهم في قرونهم المتوسطة مثل محمود الغزنوي، وملكشاه السلجوقي، وصلاح الدين الأيوبي، وكان منهم في المشرق مثل تيمور الكوركان، وفي الغرب السلطان محمد الفاتح، والسلطان سليم والسلطان سليمان العثماني. أولئك رجال قضوا ولم يطو الزمان ذكرهم ولم يمح أثرهم.
كان لأساطيل المسلمين سلطة لا تبارى في البحر الأبيض والأحمر والمحيط الهندي، ولها الكلمة العليا في تلك البحار إلى زمان غير بعيد، كان مخالفوهم يدينون لملكوت فضلهم كما يذلون لسلطان عليهم.
والمسلمون اليوم هم يملئون تلك الأقطار التي ورثوها عن آبائهم وعديدهم لا ينقص عن أربعمائة مليون، وأفرادهم في كل قطر بما أشربت قلوبهم من عقائد دينهم أشجع وأسرع إقداما على الموت ممن يجاورهم، وهم بذلك أشد الناس ازدراء بالحياة الدنيا وأقلهم مبالاة بزخرفها البطل.
Bog aan la aqoon