بقوم كان له معهم عداوة ولهم قرية تسمى بالهور ما لم يسمع بمثله حمل جميع ما حصل في تلك القرية وأحال عليهم بالخراج وعاملهم من التشدد والإهانة بما لم يفعله حاكم بأحد قبله، وهم خواص الوزير وبطانته.
وحمل الغلات على تفاوت أجناسها الى بغداد فحصلت في محرز هناك وتوجه الى بغداد فساعدته الأقدار على أن ارتفع سعر الحنطة من درهمين الى أربعة فدخل على الوزير وشكا عدم الحاصل وقلة الارتفاع وانه لم يحصل ما يقوم بثلث مال الضمان، وكان مائة وعشرين ألف دينار ذهبا، والتمس بأن تغلق أبواب المناثر ولا يبيع أحد شيئا من الغلات والحبوبات مدة عشرة أيام فاجيب الى ما التمسه، وأحال عليه الوزير من يومه بحوالات توازي المبلغ المذكور؛ وكان يؤدي الى كل ذي حوالة شيئا يوما فيوما، وارتفع السعر في تلك الأيام فوصلت الحنطة الى ستة دراهم فلم يمض اسبوع حتى باع السيد جميع ما كان عنده ولم يبق في مناثره شيء أصلا.
وقد وفى من الحوالات مائة ألف دينار، وأخذ لنفسه مثلها؛ فاحتال ذات ليلة حتى دخل على الوزير وقت السحر وهو خال يكتب مطالعة الصباح التي تعرض على الخليفة، وقد حمل المال معه وأوقفه على باب دار الوزير، فشكا الى الوزير حاله ووصف جده واجتهاده وذكر ما نال به الناس من الظلم وانه مع ذلك كله قد أدى مائة ألف دينار حصلها من قوسان والتمس أن يترك له العشرين ألف دينار الباقية، فقال له الوزير: ليس لتخلية درهم واحد من مال أمير المؤمنين سبيل، فقال النقيب: أيها الوزير هذه الدنانير على الباب وقد حصلت هذا المقدار بتمامه، فان تقدم الوزير أن أدخلها اليه فهو الحاكم، وإن تقدم أن أؤديها الى أرباب الحوالات أديتها. فتبسم ثم قال: لا بل أمير المؤمنين يترك لك هذه العشرين ألف دينار فقد علم أن ضمانك كان ثقيلا. قلت: ولا يسمع في كلام متظلم فالوزير يعلم كيف حصلت هذه الأموال. قال: لك ذلك على أن لا تعود الى مثلها. قال: علي ذلك ما دام الوزير أعزه الله لا يكلفني ضمانا ثقيلا لا يحصل إلا بالجور والعسف والضرر العائد على الديوان في السنين المستقبلة، ثم صلح الحال بينهم ظاهرا الى أن عزل الوزير ولم يتعرض للنقيب زكي الدين ولا لإبنه إلا بالخير.
Bogga 150