Cumdat Qari
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
Daabacaha
شركة من العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية
Noocyada
Culuumta Xadiiska
٢٠ - (بابُ إفْشاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإسْلاَمِ)
أَي: هَذَا بابٌ، وَإِن لم يقدر هَكَذَا لَا يسْتَحق الْإِعْرَاب على مَا ذكرنَا غير مرّة، فَحِينَئِذٍ بَاب منون. وَقَوله: (السَّلَام) مَرْفُوع لِأَنَّهُ مُبْتَدأ، وَقَوله: (من الْإِسْلَام) خَبره، وَالتَّقْدِير فِي الأَصْل: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن السَّلَام من جملَة شعب الْإِسْلَام، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: بَاب إفشاء السَّلَام من الْإِسْلَام. وَهُوَ مُوَافق للْحَدِيث الْمَرْفُوع فِي قَوْله: (على من عرفت وَمن لم تعرف) والإفشاء، بِكَسْر الْهمزَة، مصدر من أفشى يفشي، يُقَال: أفشيت الْخَبَر إِذا نشرته وأذعته، وثلاثيه: فشى يفشوا فشوا، وَمِنْه: تفشى الشَّيْء: إِذا اتَّسع.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ هُوَ أَن من جملَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق أَن الدّين هُوَ الْإِسْلَام، وَالْإِسْلَام لَا يكمل إلاَّ بِاسْتِعْمَال خلاله، وَمن جملَة خِلاله إفشاء السَّلَام للْعَالم. وَفِي هَذَا الْبَاب يبين هَذِه الْخلَّة فِي الحَدِيث الْمَوْقُوف وَالْمَرْفُوع جَمِيعًا، مَعَ زِيَادَة خلة أُخْرَى فيهمَا، وَهِي: إطْعَام الطَّعَام، وَزِيَادَة خلة أُخْرَى فِي الْمَوْقُوف وَهِي: الْإِنْصَاف من نَفسه. وَأما وَجه كَون إفشاء السَّلَام من الْإِسْلَام فقد بَيناهُ فِي بَاب إطْعَام الطَّعَام.
وقالَ عَمَّارٌ: ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإيمَانَ الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلاَمِ للْعالَمِ والإنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ.
الْكَلَام فِيهِ على وُجُوه. الأول: فِي تَرْجَمَة عمار، وَهُوَ أَبُو الْيَقظَان، بِالْمُعْجَمَةِ، عمار بن يَاسر بن عَامر بن مَالك بن كنَانَة بن قيس بن الْحصين بن الوذيم بن ثَعْلَبَة بن عَوْف بن حَارِثَة بن عَامر الْأَكْبَر بن يام بن عنس، بالنُّون، وَهُوَ زيد بن مَالك بن أدد بن يشجب بن غَرِيب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. هَكَذَا نسبه ابْن سعد، ﵀، أمه سميَّة، بِصِيغَة التصغير من السمو، بنت خياط، أسلمت وَكَذَا يَاسر مَعَ عمار قَدِيما، وَقَتل أَبُو جهل سميَّة وَكَانَت أول شهيدة فِي الْإِسْلَام، وَكَانَت مَعَ يَاسر وعمار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يُعَذبُونَ بِمَكَّة فِي الله تَعَالَى، فَمر بهم رَسُول الله ﷺ وهم يُعَذبُونَ (فَيَقُول: صبرا آل يَاسر فَإِن مَوْعدكُمْ الْجنَّة) . وَكَانُوا من الْمُسْتَضْعَفِينَ. قَالَ الْوَاقِدِيّ: وهم قوم لَا عشائر لَهُم بِمَكَّة وَلَا مَنْعَة وَلَا قُوَّة، كَانَت قُرَيْش تُعَذبهُمْ فِي الرمضاء، فَكَانَ عمار، ﵁، يعذب حَتَّى لَا يدْرِي مَا يَقُول. وصهيب كَذَلِك، وفكيهة كَذَلِك، وبلال وعامر بن فهَيْرَة، وَفِيهِمْ نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا ثمَّ جاهدوا وصبروا﴾ (النَّحْل: ١١٠) وَمن قَرَأَ فتنُوا بِالْفَتْح وَهُوَ ابْن عَامر، فَالْمَعْنى: فتنُوا أنفسهم، وَعَن عَمْرو بن مَيْمُون، قَالَ: (احْرِقْ الْمُشْركُونَ عمار بن يَاسر بالنَّار، فَكَانَ ﵇، يمر بِهِ ويمر بِيَدِهِ على رَأسه فَيَقُول: يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على عمار كَمَا كنت على إِبْرَاهِيم، تقتلك الفئة الباغية) . وَعَن ابْن ابْنه قَالَ: أَخذ الْمُشْركُونَ عمارا فَلم يَتْرُكُوهُ حَتَّى نَالَ من رَسُول الله ﷺ، وَسلم وَذكر آلِهَتهم بِخَير، فَلَمَّا أَتَى رَسُول الله ﷺ قَالَ: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: شَرّ يَا رَسُول الله؟ وَالله مَا تركت حَتَّى نلْت مِنْك وَذكرت آلِهَتهم بِخَير. قَالَ: فَكيف تَجِد قَلْبك؟ قَالَ: مطمئنا بِالْإِيمَان. قَالَ: فَإِن عَادوا فعد، وَفِيه نزل: ﴿إِلَّا من إِكْرَاه وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان﴾ (النَّحْل: ١٠٦) . شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا، وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة، وَكَانَ إِسْلَامه بعد بضعَة وَثَلَاثِينَ رجلا هُوَ وصهيب، وروى عَن عَليّ، ﵁، وَعَن غَيره من الصَّحَابَة. رُوِيَ لَهُ اثْنَان وَسِتُّونَ حَدِيثا، اتفقَا مِنْهَا على حديثين، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِثَلَاثَة، وَمُسلم بِحَدِيث. وآخى النَّبِي ﷺ بَينه وَبَين حُذَيْفَة، وَكَانَ رجلا آدم طَويلا أشهل الْعَينَيْنِ بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ، لَا يُغير شَيْبه، قتل بصفين فِي صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ مَعَ عَليّ، ﵁، عَن ثَلَاث وَقيل: عَن أَربع وَتِسْعين سنة، وَدفن هُنَاكَ بصفين، وَقتل وَهُوَ مُجْتَمع الْعقل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وياسر رهن فِي الْقمَار هُوَ ووالده وَولده، فقمروهم فصاروا بذلك عبيدا للقامر، فأعزهم الله بِالْإِسْلَامِ. وعمار أول من بنى مَسْجِدا لله فِي الله، بنى مَسْجِد قبَاء، وَلما قتل دَفنه عَليّ، ﵁، بثيابه حسب مَا أوصاه بِهِ ثمَّة وَلم يغسلهُ. وَقَالَ صَاحب (الِاسْتِيعَاب): وروى أهل الْكُوفَة أَنه صلى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبهم فِي الشُّهَدَاء أَنهم لَا يغسلونهم، وَلَكِن يصلى عَلَيْهِم، وَقَالَ مُسَدّد: لم يكن فِي الْمُهَاجِرين أحد أَبَوَاهُ مسلمان غير عمار بن يَاسر. قلت: وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا أسلم أَبَوَاهُ. وَفِي (شرح قطب الدّين): وَكَانَ أَبُو يَاسر خَالف أَبَا حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة، وَلما قدم يَاسر من الْيمن إِلَى مَكَّة زوجه أَبُو حُذَيْفَة أمة لَهُ يُقَال لَهَا: سميَّة، فَولدت لَهُ عمارا، فَأعْتقهَا أَبُو حُذَيْفَة. وعمار روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الثَّانِي: قَول عمار الَّذِي علقه البُخَارِيّ رَوَاهُ الْقَاسِم اللالكائي بِسَنَد صَحِيح عَن عَليّ بن أَحْمد بن حَفْص، حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ المرهبي، حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن جَعْفَر الصَّيْرَفِي، حَدثنَا أَبُو نعيم، حَدثنَا قطر عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة بن زفر عَنهُ، وَرَوَاهُ رسته أَيْضا عَن سُفْيَان، حَدثنَا
1 / 197