99

Cumda Fi Mahasin Shicr

العمدة في محاسن الشعر وآدابه

Baare

محمد محيي الدين عبد الحميد

Daabacaha

دار الجيل

Lambarka Daabacaadda

الخامسة

Sanadka Daabacaadda

١٤٠١ هـ - ١٩٨١ م

وقيل: عمل الشعر على الحاذق به أشد من نقل الصخر، ويقال: إن الشعر كالبحر أهون ما يكون على الجاهل أهول ما يكون على العالم، وأتعب أصحابه قلبًا من عرفه حق معرفته، وأهل صناعة الشعر أبصر به من العلماء بآلته من نحو وغريب ومثل وخبر وما أشبه ذلك ولو كان دونهم بدرجات، وكيف إن قاربوهم أو كانوا منهم بسبب؟ وقد كان أبو عمرو بن العلاء وأصحابه لا يجرون مع خلف الأحمر في حلبة هذه الصناعة أعني النقد ولا يشقون له غبارًا، لنفاذه فيها؛ وحذقه بها، وإجادته لها وقد يميز الشعر من لا يقوله، كالبزاز يميز من الثياب ما لم ينسجه، والصيرفي يخبر من الدنانير ما لم يسبكه ولا ضربه، حتى أنه ليعرف مقدار ما فيه من الغش وغيره فينقص قيمته.
وحكى أن رجلًا قال لخلف الأحمر: ما أبالي إذا سمعت شعرًا استحسنته ما قلت أنت وأصحابك فيه!! فقال له: إذا أخذت درهمًا تستحسنه وقال لك الصيرفي إنه رديء هل ينفعك استحسانك إياه؟.
وقيل للمفضل الضبي: لم لا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به؟ قال: علمي به هو الذي يمنعني من قوله، وأنشد:
وقد يقرض الشعر البكي لسانه ... وتعيي القوافي المرء وهو لبيب
والشعر مزلة العقول، وذلك أن أحدًا ما صنعه قط فكتمه ولو كان رديئًا، وإنما ذلك لسروره به، وإكباره إياه، وهذه زيادة في فضل الشعر، وتنبيه على قدره وحسن موقعه من كل نفس.
وقال الأصمعي على تقدمه في الرواية وميزة بالشعر:
أبى الشعر إلا أن يفيء رديه ... علي، ويأبى منه ما كان محكما
فيا ليتني إذ لم أجد حوك وشيه ... ولم أكُ من فرسانه كنت مفحما

1 / 117