206

الفصل الثانى

علو همة السلف في العبادة والاستقامة

لقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم على السفاسف، فلا تراهم إلا صوامين قوامين، باكين والهين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة تشي بعلو همتهم في التوبة. والاستقامة، وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات، وهاك طرفا من عباراتهم وعباداتهم:

قال الحسن: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره".

وقال وهيب بن الورد: "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل"، وقال الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان التركستاني:

"ما بلغني عن أحد من الناس أنه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه".

وقال أحد العباد: "لو أن رجلا سمع برجل هو أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غما، ما كان ذلك بكثير".

وقيل لنافع: "ما كان ابن عمر يصنع في منزله؟ "،

قال: "الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما".

"وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة الجماعة صام يوما، وأحيا ليلة، وأعتق رقبة".

واجتهد أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته اجتهادا شديدا، فقيل له: "لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق؟ "، فقال: "إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك"، قال: فلم يزل على ذلك حتى مات.

Bogga 209