156

(4) معانقتهم الفقر في سبيل الطلب

(حفلت كتب الأدب والتراجم والتاريخ والأخلاق بأقوال العلماء في فقرهم وغربتهم وصبرهم على شدائدهم الخانقة، واستهانتهم بها، وعدم اكتراثهم لها، تمسكا منهم بمثوبة الصبر، المحتسب فيه الأجر، والذي كانوا فيه من الفائزين.

فهذا قائل منهم يقول مسائلا عن مسكن الفقر ومنزله ليعرفه فيجتنبه، فيخبره الفقر أنه جليسه وأنيسه، وخدينه وقرينه لا يبارحه ولا يفارقه!

قلت للفقر: أين أنت مقيم؟ ... قال لي: في عمائم الفقهاء!

إن بيني وبينهم لإخاء ... وعزيز علي ترك الإخاء!

وآخر يجعل الفقه هو الفقر بعينه، وإنما استدارت "راء" الفقر فصارت "هاء"، فيقول مشيرا إلى التلازم بين الفقه والفقر:

إن الفقيه هو الفقير وإنما ... راء الفقير تجمعت أطرافها

وهذا الإمام الشافعي -رضي الله عنه - يستهين بسطوة الفاقة، ويكسر جبروتها بصبره الذي غلبها، فيقول فيما نسب إليه -رضي الله عنه-:

أمطري سماء سرنديب ... وأخرجي آبار تكرور تبرا (¬1)

Bogga 159