الفقهية الملحّة، مع الدّقّة في صوغ العبارة، والتمحيص لكل قول يرى أنه الأصح المعتمد، حتى صارت تلك المتون موضوعة لنقل المذهب مما هو ظاهر الرواية (^١)، إذْ "ميزّ مصنفوها بين الراجح والمرجوح، والمقبول والمردود، والقوي والضعيف، فلا يوردون في متونهم إلا الراجح المقبول القوي" (^٢).
وكان من أبرز تلك المختصرات المعتمدة والتي كُتب لها القبول بإذن الله، مختصرُ الإمام القدوري، وهو الذي يطلق عليه اسم "الكتاب" عند الحنفية، وذلك لاستفاضة ذكره عندهم، ولكثرة من تفقّه واعتمد عليه.
قال في "كشف الظنون" (^٣): "وهو متن متين معتبر متداول بين الأئمة الأعيان، وشهرته تغني عن البيان. قال صاحب مصباح أنوار الأدعية: إن الحنفية يتبرّكون بقراءته في أيام الوباء، وهو كتاب مبارك، من حفظه يكون أمينًا من الفقر، حتى قيل إن من قرأه على أستاذ صالح ودعا له عند ختم الكتاب بالبركة فإنه يكون مالكًا لدراهم على عدد مسائله. وفي بعض شروح المجمع أنه مشتمل على اثني عشر ألف مسألة اهـ، وشروحه كثيرة جدًّا. . ." اهـ من "الكشف". "وفي مختصر ربيع الأبرار: أنه لمّا صنّف [الإمام القدوري] هذا الكتاب، حمله مع نفسه إلى بيت الله الحرام وعلّقه من أستاره، وسأل الله تعالى أن يبارك له فيه، فاستجيب له، وجعله مباركًا لذلك" (^٤).
ويُثني الإمام علاء الدين السمرقندي على مختصر القدوري بقوله: "أعلم أن المختصر المنسوب إلى الشيخ أبي الحسين القدوري ﵀، جامع جملًا من الفقه مستعملة بحيث لا تراها مدى الدهر مهملة، يهدي بها الرائض في أكثر الحوادث والنوازل، ويرتقي بها المرتضى إلى أعلى المراقي والمنازل" (^٥)، أما صاحب الهداية فيقول: "وجدت المختصر المنسوب إلى القدوري أجمل كتاب في أحسن إيجاز وإعجاب" (^٦).