Comments on the Wasitiyya Creed 1
التعليقات السنية على العقيدة الواسطية ١
Baare
عبد الإله بن عثمان الشَّايع
Daabacaha
دار الصميعي للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
Noocyada
تَألِيْفُ
الشَّيْخِ العَلاَّمَةِ فَيْصَلْ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ آل مُبَارَك
ت ١٣٧٦ هـ
أهمية الكتاب
لعلَّ هذا الكتاب: (التَّعلِيقَاتُ السَّنِيَّة على العَقِيَدة الوَاسِطِيَّة) - كما يظهر لي - هو أول تعليق على (العقيدة الواسطية) وهناك شرح للواسطية لعالم معاصر للشيخ فيصل ومتوفٍ في نفس العام الذي توفي فيه الشيخ فيصل، ألا وهو العلاَّمة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ﵀، وشرحه هو المعروف بـ (التعليقات المنيفة على ما في الواسطية من المباحث الشريفة)، وقد ألَّفه الشيخ السعدي عام١٣٧٢هـ.
إلاَّ أن كتابنا هذا فيما يظهر - أُلِّف تأليفاَ من هذا التاريخ، إذ أنَّ الشيخ فيصل ﵀ وهو المتوفى عام ١٣٧٦هـ قد اهتمَّ في أُخريات حياته بـ (الروض المربع) فشرَحَه في كتابه (المرتع المشبع) في أربعة مجلدات ضخمة وكان تأليفه لهذا الكتاب قبل عام ١٣٧١ هـ كما يدل على ذلك رسالة من الشيخ عبد الرحمن بن سعدي إلى الشيخ فيصل - رحمهما الله - بتاريخ الأول من رجب من عام ١٣٧١ هـ، ثمَّ شرحه الشيخ فيصل " المرتع المشبع " بكتابه (مجمع الجواد) وهو
1 / 18
كتاب ضخم وصلنا منه شرح كتاب البيوع في مجلد كبير، ممَّا يدلُّ على تقدُّم تأليف الشيخ فيصل ﵀ لشرح الواسطيَّة.
لا سيَّما إذا علمنا أن الشيخ فيصل أدرج شرحه على الواسطية في موسوعته المسمَّاة بـ (زبدة الكلام في الأصول والآداب والأحكام) وفيه عدَّة مؤلفاتٍ له، وجُلُّها من أقدم مؤلفاته، والله أعلم.
1 / 19
ترجمة المؤلف
هو الشيخ فيصل بن عبد العزيز بن فيصل بن حمد المبارك المحدث الفقيه الأصولي المفسِّر النحوي الفرضي، العالم العامل الزاهد الورع، ولد ﵀ في حريملاء عام ١٣١٣هـ، وطلب العلم على علماء حريملاء في وقته، ومنهم جدِّه لأُّمِّه الشيخ العالم ناصر بن محمد الراشد، وعمِّه العلاَّمة الشيخ محمد بن فيصل المبارك.
ثمَّ طلب العلم على علماء الرياض فأخذ عن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف مفتي الديار النجدية، والعلاَّمة سعد بن حمد بن عتيق محدِّث الديار النجدية، وأجازه الشيخ سعد في التفسير، وكذلك أجازه في تدريس أمهات كتب الحديث ومذهب الإمام أحمد، وأجازه الشيخ عبد العزيز النمر إجازة الفتوى عام ١٣٣٣ هـ، وهو في العشرين من عمره، وأخذ علم النحو عن سيبويه عصره الشيخ حمد بن فارس، وعلم الفرائض عن أفرض أهل زمانه الشيخ عبد الله بن راشد الجلعود، وغيرهم من أفذاذ العلماء ﵏ أجمعين.
له عِدَّة مؤلفات في جميع العلوم الشرعيَّة - تصل إلى أكثر من ثلاثين مؤلفًا، فمن كتبه المطبوعة:
١. ... توفيق الرحمن في دروس القرآن.
٢. ... السبيكة الذهبية في علم الفرائض.
٣. ... كلمات السداد على متن الزاد في علم الفقه
٤. ... خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام في علم الحديث
٥. ... تطريز رياض الصالحين في علم الحديث.
٦. ... مفاتيح العربية شرح الآجرُّوميَّة في علم النحو.
وله ﵀ الكثير من المؤلفات التي لم تطبع بعد.
ولي القضاء في عِدَّة بلدان، كان آخِرها منطقة الجوف، والتي توفي بها عام ١٣٧٦هـ، عن ثلاثةٍ وستين عامًا قضاها في الجهاد، وفي العلم والتعليم والتصنيف ﵀. (١)
_________
(١) انظر في مصادر ترجمة الشيخ فيصل ﵀:
(علماء نجد خلال ثمانية قرون) للشيخ عبد الله البسام ﵀ (٥/٣٩٢-٤٠٢) .
والأعلام للزركلي: (٥/١٦٨) .
و(مشاهير علماء نجد) للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ.
و(العلامة المحقق والسلفي المدقق: الشيخ فيصل المبارك) لفيصل بن عبد العزيز البديوي.
و(المتدارك من تاريخ الشيخ فيصل بن عبد العزيز المبارك) لكاتب هذه الأسطر.
Bog aan la aqoon
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا. وأَشْهَدُ أَن لاَّ إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ - وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تسليمًا مَزِيدًا.
أَمَّا بَعْدُ؛ فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: وَهُوَ الإِيمانُ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، والإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خِيْرِهِ وَشَرِّهِ.
هذا الكتاب هو العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القاسم ابن تيميّة الحرَّاني شيخ الإسلام والمسلمين وقامع أهل البدع والملحدين، ولد سنة إحدى وستين وستمائة، وتوفي سنة ثمانٍ وعشرين وسبعمائة رحمه الله تعالى.
قوله: (أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة) يشير إلى قوله ﷺ: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة)، قالوا من هي يا رسول الله، قال مَنْ كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)،
1 / 25
وقوله ﷺ: (لا تزال طائفة من أمَّتي على الحق منصورة لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ﵎ .
قوله: (وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره) يشير إلى ما وقع في حديث سؤال جبريل النبي ﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان، وفيه قال - أي: جبريل - فأخبرني عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه)، قال: صدقت، وقال النبي ﷺ في آخره -: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) .
1 / 26
وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ.
بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] .
فَلاَ يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلاَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ، وَلاَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وآيَاتِهِ، وَلاَ يُكَيِّفُونَ وَلاَ يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ.
لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ: لاَ سَمِيَّ لَهُ، وَلاَ كُفْءَ لَهُ، وَلاَ نِدَّ لهُ.
ولاَ يُقَاسُ بِخَلْقِهِ ﷾.
فَإنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَأَصْدَقُ قِيلًا، وَأَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ خَلْقِهِ. ثُمَّ رُسُلُه صَادِقُونَ مُصَدَّقُون؛ بِخِلاَفِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لاَ يَعْلَمُونَ.
وَلِهَذَا قَالَ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: ١٨٠: ١٨٢] . فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ، وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ؛ لِسَلاَمَةِ مَا قَالُوهُ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيما وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بينَ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ.
فَلاَ عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّةٌ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ؛ فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَالِحِينَ.
وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الإِخْلاَصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، حَيثُ يَقُولُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١: ٤]
وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتِابِهِ؛ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن
1 / 27
ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ علْمِهِ إلاَّ بمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] .
قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، أي هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير، لأنَّه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ قال ابن عباس يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، وعنه أيضًا الصمد الذي لا جوف له، وقاله كثيرٌ من المفسِّرين.
﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ أي: ليس له ولدٌ ولا والدٌ ولا صاحبةٌ، ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ . وعن أبي بن كعب ﵁ أن المشركين قالوا للنبي ﷺ انسب لنا ربَّك فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ رواه أحمد وغيره.
قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ أي هو المتفرِّد بالإلهِيَّة.
﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ أي: الحي الذي لا يموت، ومعنى القيوم أي: القائم على
1 / 28
كلِّ شيء، فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غنيٌّ عنها.
﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ أي نعاس ولا نوم، ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ملكًا وخلقًا.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ [الحديد: ٣] .
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ [الفرقان: ٥٨] .
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ﴾ بأمره.
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ من أمر الدنيا والآخرة.
﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ﴾ أي: لا يحيطون بشيءٍ من علم الغيب إلاَّ بما شاء أن يطلعهم عليه ممَّا أخبر به الرسل.
﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ﴾ أي: ملأ وأحاط، قال ابن عباس: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدِّرُ أحدٌ قدره.
﴿وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ أي: لا يثقله ولا يشُقُّ عليه.
﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ قال البغوي: وهو العليُّ الرفيع فوق خلقه، والمتعالي عن الأشباه والأنداد. العظيم: الكبير الذي لا أعظم منه.
1 / 29
قوله تعالى: ﴿هُوَ الأوَّلُ﴾ أي الذي ليس قبله شيء.
﴿وَالآخِرَ﴾ الذي ليس بعده شيء. ﴿وَالظَّاهِرُ﴾ الذي ليس فوقه شيء.
﴿وَالْبَاطِنُ﴾ الذي ليس دونه شيء.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ظاهره وباطنه وأوله وآخره.
في هامش الصفحة التي فيها آية الكرسي مقابل السطر الذي فيه قوله ﷿ ﴿وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ كتب الشيخ أي لا يكرثُه ولا يثقِله ثم رمز لها بالتصحيح (صح) .
قوله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ أي فإنَّه حقيقٌ بالتوكل عليه، لأنَّه باقٍ على الأبد، والحياة صفةٌ لله تعالى.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [التحريم: ٢] . ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير﴾ [سبأ: ١] . ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ [سبأ: ٢] . ﴿وَعِندَه مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين﴾ [الأنعام: ٥٩] . وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِه﴾ [فصلت: ٤٧] .
قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ﴾ أي: يدخُلُ فيها من الماء والأموات وغير ذلك.
﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ من النبات وغيره، والأموات إذا حُشِروا.
﴿وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ من الملائكة والأمطار وغير ذلك.
1 / 30
﴿وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ من الملائكة والأعمال الصالحة وغير ذلك.
قوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ﴾ مفاتح الغيب: خزائنه.
وعن ابن عمر ﵁ أنَّ رسول الله ﷺ قال: (مفاتح الغيب خمس لا يعلمهنَّ إلاَّ الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾) رواه البخاري.
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا﴾ أي ويعلم الحركات حتى من الجمادات.
﴿وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، يعني: مكتوبٌ في اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ﴾ أي هو عالمٌ بذلك لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وَقَوْلُهُ: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢] . وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٨] . وَقَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] .
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٨] .
قوله تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾، وأوَّل الآية ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾، فالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى، قال قتادة: (في كل أرضٍ من أرضه وسماءٍ من سمائه، خلقٌ من خلقه، وأمرٌ من أمره، وقضاءٌ من قضائه، ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ فلا يخفى عليه شيء.
1 / 31
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ أي: الرزاق لجميع خلقه، وهو القوي المقتدر المبالغ في القوة والقدرة.
قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ لأنًَّه الفرد الصمد الذي لا نظير له ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، ففي قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ردٌّ للتشبيه، وفي قوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ردٌّ للتعطيل، فتضَمَّنَت (الآية) إثباتًا لصفات الكمال لله تعالى، ونفيَ التشبيهِ عنه ﵎.
قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾، وأوَّلُ الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا﴾ أي نعم الشيء الذي يعظكم به ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ أي: سميعًا لأقوالكم بصيرًا بأفعالكم.
1 / 32
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ﴾ [الكهف: ٣٩] . وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة: ٢٥٣] . وَقَوْلُهُ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: ١] .
وعن أبي هريرة ﵁ أنَّه قرأ هذه الآية ويضع إبهامه على إذنه والتي تليها على عينه ويقول: (هكذا سمعت رسول الله ﷺ يقرؤها ويضع إصبعيه) رواه أبو داود وغيره، ومعنى ذلك إثبات السمع والبصر حقيقةً لا تشبيه السمع بالسمع والبصر بالبصر، فكما أنَّ ذاته لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه الصفات ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ .
قوله تعالى: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ﴾ أي هي بمشيئة الله إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ وأول الآية قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ أي كل ذلك عن قضاء الله وقدره، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ فيوفق من يشاء فضلًا، ويخذل من يشاء عدلًا.
قوله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ أي أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها إلاَّ ما كان منها وحشيًا فإنَّه صيد لا يحل لكم في حال الإحرام، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ أي: هو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾ [الأنعام: ١٢٥] .
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] . ﴿وَأَقْسِطُوا إِنّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَْ﴾ [الحجرات: ٩] . ﴿فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٧] .
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ﴾ أي: يفتح قلبه
1 / 33
وينوره حتى يقبل الإسلام ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ أي لا يتسع لشيء من الهدى ولا يخلُصُ إليه ما ينفعه من الإيمان، وليس للخير فيه منفذٌ، ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ أي يشُقُّ عليه الإيمانُ كما يشقُّ عليه صعود السماء ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ .
1 / 34
قوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ الإحسان: هو أعلى مقامات الطاعة، قال ابن جرير: (يعني جلَّ ثناؤه بقوله: ﴿وَأَحْسِنُوا﴾ أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من معاصي، ومن الإنفاق في سبيلي، وعَودِ القوي منكم على الضعيف ذي الخلة فإنِّي أحب المحسنين في ذلك.
قوله تعالى: ﴿وَأَقْسِطُوا﴾ أي: اعدلوا في الحكم في الفئتين المتقاتلتين.
إن الله يحب المقسطين﴾، وفي الحديث عن النبي ﷺ: (إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ﷿، وكلتا يديه يمين،
1 / 35
الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) رواه مسلم.
قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ أي: متى استقاموا على العهد فاستقيموا لهم.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] . وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] . وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤] . وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف: ٤] .
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ قال ابن كثير: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ أي: من الذنب وإن تكرر غشيانه. ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ أي المتنزهين عن الأقذار والأذى، وهو ما نهى عنه من إتيان الحائض، أو في غير المأتى.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ قال ابن كثير: أي يحصلُ لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إيَّاه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء والحكماء: (ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ) . ثم قال تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنَّه كاذبٌ في نفس الأمر. قال الحسن البصري: (زعم قومٌ أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية.
قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ فيه إثبات صفة محبة الله تعالى لعباده على ما يليق بجلاله. قال الحسن: علم الله ﵎ أن قومًا
1 / 36
يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم ﷺ فأخبر أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ روى أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ثلاثة يضحك الله إليهم: الرجل يقوم من الليل، والقوم إذا صفُّوا للصلاة، والقوم إذا صفوا للقتال) .
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ [البروج: ١٤] . وَقَوْلُهُ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] . ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: ٧] . ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣] . ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء﴾ [الأعراف: ١٥٦] . ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ٥٤] .
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ قال ابن كثير: أي: يغفر ذنب من تاب إليه وخضع لديه، ولو كان الذنب من أي شيءٍ كان.
والودود: قال ابن عباس وغيره: هو الحبيب.
قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ في الحديث: " أن عيسى ﵇ قال للمعلم؟ الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة ".
قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ وأول الآية: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ أي: رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم، وعلمك محيط بجميع أعمالهم وأحوالهم ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ .
1 / 37
قوله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره وكان بالمؤمنين به ورسوله ذا رحمة أن يعذبهم وهم له مطيعون، ولأمره متبعون. ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ .
قوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أي: عمَّت كلَّ شيء، قال الحسن: وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصَّة.
قوله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ قال ابن كثير: أي: أوجبها على نفسه الكريمة؛ تفضلًا منه وإحسانًا وامتنانًا.
﴿ِوَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: ١٠٧] . ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: ٦٤] .
قَوْلُهُ: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة: ١١٩] . ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ﴾ [النساء: ٩٣] . وَقَولُهُ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ [محمد: ٢٨] .
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ أي: الغفور لذنوب من تاب وأناب من عباده حتى من الشرك، الرحيم بمن آمن به وأطاعه.
قوله تعالى: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أي: فسيرحم كِبَري وضَعفي، ووجدي بولدي، وأرجو من الله أن يردَّه علي، ويجمع شملي به، إنه أرحم الراحمين، فهو أرحم لعباده من كلِّ أحد.
1 / 38
قوله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ قال ابن جرير: يقول تعالى ﷿: رضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له ما وعدوه، من العمل بطاعته واجتناب معاصيه، ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ يقول: ورضوا هم عن الله تعالى في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه، فيما أمرهم ونهاهم من جزيل ثوابه ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ .
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ أي: عامدًا قتله ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ بقتله إياه متعمدًا ﴿وَلَعَنَهُ﴾ أبعده عن رحمته وأخزاه وأعدَّ له عذابًا عظيمًا، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن فعل مثل هذا الذنب العظيم.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ﴾ من طاعة الشيطان ﴿وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ من طاعة الرحمن ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ لأنها عُمِلت في غير مرضاته.
﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف: ٥٥] . وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٦] . وَقَوْلُهُ: ﴿كَبُرَ مقْتًا عندَ اللَّهِ أن تقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣] .
َقَولُهُ: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ [البقرة: ٢١٠] . ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ ربِّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨] .
قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ أي: أغضبونا ﴿انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ بعاجل العذاب ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ .
1 / 39
قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ أي: منعهم وحبسهم عن الخروج ﴿وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ .
قوله تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ قال البغوي: أي: عظم ذلك في المقت والبغض عند الله، أي، أنَّ الله يبغض بغضًا شديدًا أن تقولوا ما لا تفعلون، أي: أن تعِدوا من أنفسكم شيئًا ثم لم تفوا به.
وقال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا اصدقوا الله ورسوله، ﴿لِمَ تَقُولُونَ﴾ القول الذي لا تُصدِّقونه بالعمل، فأعمالكم مخالِفة أقوالَكم ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ يقول: عظُم مقتا [عند ربكم قولكم ما لا تفعلون] .
1 / 40
وقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأمْرُ﴾ قال ابن كثير: يقول تعالى مهددًاُ الكافرين: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ﴾ يعني: يوم القيامة، لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزي كل عامل بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ولهذا قال تعالى: ﴿وَقُضِيَ الأمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ﴾ .
﴿كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: ٢١: ٢٢] . ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٥] . وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] . ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] .
قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ﴾ قال ابن جرير: (يقول جلَّ ثناؤه هل ينظر هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام إلا أن تأتيهم الملائكة بالموت، فتقبض أرواحهم، أو أن يأتيهم ربك - يا محمد - للقضاء بين خلقه في موقف القيامة، ﴿أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ﴾ يقول: أو أن يأتيهم بعض آيات ربك، وذلك - فيما قال بعض أهل التأويل -: طلوع الشمس من مغربها.
قوله تعالى: ﴿كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾ قال ابن كثير: أي: وطِّئت ومُهِّدت وسُوِّيت الأرض والجبال، وقام الخلائق من قبورهم لربهم، و﴿جَاء
1 / 41