26

Commentary on Sharh al-Sunnah by Al-Barbahari - Nasser al-Aql

التعليق على شرح السنة للبربهاري - ناصر العقل

Noocyada

الكلام في الله تعالى بغير ما ورد بدعة وضلالة قال رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أن الكلام في الرب تعالى محدث، وهو بدعة وضلالة، ولا يتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه ﷿ في القرآن، وما بين رسول الله ﷺ لأصحابه، فهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير]. هذا تفصيل للإجمال السابق، حينما ذكر أن الكلام والخصومات والجدال والمراء محدثات، ذكر أعظم وأخطر الكلام والخصومات، وهي الخصومات في الله ﷿، فذكر أن الكلام في الرب ﷿ محدث؛ لأن الأصل في الناس التسليم بالعقل والفطرة فيما يتعلق بالله ﷿ على جهة الإجلال، ثم التسليم المطلق فيما ثبت عن الله تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته على سبيل التفصيل، ولا طاقة للعقول في أن تتكلم عن الله ﷿، وذلك ورد الإرشاد إلى التفكر في خلق الله وآلائه وما يدل على اليقين بحقوقه ﷿، ولا يكون التفكر في ذات الله؛ لأنه مما لا طاقة للعقول به، ولأن الإيمان بالله ينبني على التسليم، هذا أمر. الأمر الآخر: أن الكلام في الرب ﷿ لا شك أنه سوء أدب؛ لأن الله ﷿ كفانا كل ما يتعلق بذاته وأسمائه وصفاته، فقد ذكر الله لنا من صفات الكمال له ما لا يمكن أن يخطر على بال بشر، ولو تكلم البشر بجميع ألسنتهم ولغاتهم وبجميع قواهم العقلية ليأتوا بصفة لله أعظم مما وصف به نفسه ما استطاعوا أبدًا، بل كثير مما وصف الله به نفسه في كتابه مما لا يمكن أن يدرك بالعقول. فإذًا: لا حاجة للناس أن يتكلموا في الرب ﷿ وقد نهوا عن ذلك، وهو تطاول على الله ﷿ ورجم بالغيب. ومن هنا ندرك خطورة مناهج المتكلمين، أما الجهمية والمعتزلة فعوار منهجهم واضح، لكن البلوى عمت بمن جاء بعدهم من المتكلمين الذين هم أقرب إلى السنة، كمتكلمة الأشاعرة والماتريدية، هؤلاء لا يعرفون غالبًا من التوحيد إلا الثرثرة في أسماء الله وصفاته وأفعاله وتوحيد الربوبية، وارتقوا مرتقى صعبًا لا طاقة لهم فيه، فأخذوا يقررون توحيد الربوبية ويتكلمون في الأسماء والصفات بقواعد عقلية لم ترد في كتاب ولا سنة، إنما هي أوهام ما زادت على أن أوقعت فيهم الشك في أسماء الله وصفاته، فوقعوا في التأويل، حتى أنهم لم يثبتوا لله ﷿ إلا سبع صفات وابتدعت الماتريدية صفة ثامنة أيضًا، وأنكروا بقية الصفات؛ لأنهم خاضوا في الله ﷿ وفي ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله بغير ما ورد في الكتاب والسنة، ثم لم يسلموا بما ورد في الكتاب والسنة، وكان هذا لهم جزاءً وفاقًا، فكل من عدل عن شيء من السنة ابتلي بالبدعة، فلما عدلوا عن الإقرار بأسماء الله وصفاته وصفوا الله بما لم يصف به نفسه، تورعوا عن أن يصفوا الله بصفاته الواردة في الكتاب والسنة تورعًا كاذبًا، فوقعوا في أن وصفوا الله بالأوصاف البدعية، فقالوا: ليس بعرض ولا جوهر ولا بجهة ولا مباين ولا مفاصل ولا داخل العالم ولا خارجه ولا ولا، من اللاءات التي تجعل الله ﷿ على صورة المعدوم، تعالى الله عما يزعمون. إذًا: كل ذلك منشؤه ما أحدثته الجهمية تبعًا للفلاسفة من الكلام في الرب ﷿، وهو بدعة وضلالة كما قال الشيخ، فلا يُتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله ﷺ، مع إثبات جميع وصفه به، ونفي المشابهة على قاعدة قوله ﷿: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١].

2 / 5