Clear Curriculum for Eloquence
المنهاج الواضح للبلاغة
Daabacaha
المكتبة الأزهرية للتراث
Daabacaad
-
Noocyada
حتى يمحى هذا الإنكار، ومنه قوله تعالى حكاية عن رسل عيسى ﵇ إذا كذبوا في المرة الأولى: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ مؤكدًا بأن وإسمية الجملة١، وإذ كذبوا في المرة الثانية ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ مؤكدًا بالقسم، وإن، واللام، وإسمية الجملة لإمعان المخاطبين في الإنكار، إذ قالوا: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ .
ثم إن الجري على هذا النحو في الخطاب: من خلو الكلام عن التأكيد لخالي الذهن، واستحسان التأكيد للمتردد، ووجوبه للمنكر، هو ما يتطلبه ظاهر حال المخاطب، وحينئذ ينبغي للمتكلم أن يراعي في خطابه ما يبدو من حال مخاطبه ليكون كلامه مطابقًا، ويسمى الجري على هذا النحو إخراجًا للكلام على مقتضى ظواهر الحال.
إذا علمت هذا فاعلم أن المتكلم قد يغض النظر عن ظاهر حال المخاطب ويعتبر فيه أمرًا آخر غير ما يبدو له لسبب ما، ويخاطبه على هذا الاعتبار، والجري على هذا النحو يسمى.
١ أي اعتبار دلالتها على الثبوت والدوام، غير أن التأكيد بها موقوف القصد والاعتبار. وقيل: إنما تكون مؤكدة إذا انضم إليها مؤكد آخر.
إخراج الكلام على غير مقتضى الظاهر:
وذلك إنما يكون حيث ينزل الشيء منزلة غيره، فمن ذلك:
١- تنزيل العالم بالحكم منزلة الجاهل به لعدم جريه على مقتضى علمه، فإن من لا يعمل بعلمه هو والجاهل سواء كقولك للمسلم التارك للصلاة: الصلاة واجبة فهو قطعًا يعلم وجوبها، فالإخبار حينئذ خروج بالكلام عن مقتضى الظاهر، إذ مقتضى الظاهر: الكف عن إخباره لعلمه بالحكم، لكن نزل علمه به منزلة الجهل به لعدم جريه على موجب علمه إذ لو كان عالمًا بوجوب الصلاة ما تركها.
٢- تنزيل خالي الذهن منزلة المتردد وحينئذ: يؤكد له القول كما يؤكد للمتردد، مثاله: أن يأتي إليك رجل يتشفع في ابن لك غضبت عليه فتقول له: "لا تحدثني في شأن هذا الولد العاق، إنه محروم من عطفي" فقولك: "إنه محروم" خبر ألقي لخالي الذهن مؤكدًا تنزيلًا له منزلة المتردد في الحكم.
2 / 14