122

Ciyar Shicr

عيار الشعر

Baare

عبد العزيز بن ناصر المانع

Daabacaha

مكتبة الخانجي

Goobta Daabacaadda

القاهرة

(فَإِذا جَرَى المِزَاجُ تَقَسَّمَتْ ... ذَهَبًا ودُرًَّا تَوأمًا وفَرِيدا) (فَكأنَّهُنَّ لَبِسْنَ ذاكَ مَجَاسِدًا ... وجَعَلْنَ ذَا لنحُورِهِنَّ عُقُودا) فَهَذَا من أبْدَعِ مَا قِيلَ فِي هَذَا وأحْسَنِهِ: ويَحتَاجُ من سَلكَ هَذِه السَّبيل إِلَى إلطَافِ الحِيلة، وتَدْقيق النَّظر فِي تنَاول المَعَاني واستعَارِتها وتَلْبيسِها حتَّى تَخْفَى على نُقَّادِهَا والبَصَراءِ بهَا، ويَنْفَرد بِشُهرَتِهَا كأنَّهُ غَيُرُ مَسْبُوقٍ إِلَيْهَا؛ فيَسْتْعْمِلُ المَعَاني المَأخُوذَةَ فِي غَيْر الجِنْسِ الَّذِي تَنَاولَهَا مِنهُ، فَإِذا وَجَدَ مَعْنىً لطيفًا فِي تَشْبيبٍ أَو غَزَلٍ استَعْمَلَهُ فِي المَديح، وإنْ وَجَدَهُ فِي المَدِيحِ اسْتَعْمَلَهُ فِي الهِجَاءِ، وإنْ وجَدَهُ فِي وَصْفِ ناقَةٍ أَو فَرَسٍ اسْتَعْمَلَهُ فِي وَصْفِ الإنْسَان، وإنْ وَجَدَهُ فِي وَصْفِ إنسانٍ اسْتَعْمَلَهُ فِي وَصْفِ بَهِيَمةٍ، فإنَّ عَكَس المَعَاني على اختلافِ وُجُوهِها غير مُتَعَذَّرٍ على مَنْ أحْسَنَ عَكْسَها واستِعمالها فِي الأبوابِ الَّتِي يُحتَاجُ إِلَيْهَا. وَإِن وَجَد المَعْني اللَّطيفَ فِي المَنْثُورِ من الكَلاَم، وَفِي الخُطَب والرَّسَائلِ والأمثال، فَتَناوَلَهُ وَجعله شِعْرًا كانَ أَخْفَى وأحْسَنَ، ويَكُونُ ذَلِك كالصَّائغِ الَّذِي يُذيبُ الذَّهَبَ والفِضَّةِ المَصُوغَيْنِ فَيُعِدُ صِيَاغَتَهُمَا بأحْسَنَ مِمَّا كَاَنا عليهِ، وكالصَّباغِ الَّذِي يَصبَغُ الثَّوْبَ على مَا رَأى من الأصباغِ الحَسَنةِ؛ فَإِذا أبْرَزَ

1 / 126