على أي حال كان العيني صاحب فضل في جمع ونقل مادته العلمية عن العصر الأيوبي من مصادرها الأصلية، التي كان أصحابها شهود عيان على الأحداث، كابن الأثير، والعماد الأصفهاني الكاتب، وابن شداد، وغيرهم ممن عاصروا الأحداث، وأهلتهم مكانتهم في الدولة للاطلاع على أدق الأسرار وأخطرها.
كذلك سجل العيني روايات كثيرة فقدت مصادرها فلم تعد متداولة بين المؤرخين، كنقله من الروضتين ما سجله أبو شامة عن ابن أبي طي، وكتاب البرق الشامي للعماد الأصفهاني.
لذا جاءت كتابات العيني عن هذا العصر شبه كاملة، فقد توافرت فيها المادة العلمية، مما جعل لها السبق على سواها، ومن هنا برزت قيمة المخطوط لدى الباحثين.
ولم تكن مصادفة أن أعمل على تحقيق هذا السفر العظيم، خاصة وقد عرفت قيمته العلمية منذ أن سجلت لدرجة الماجستير، فكان من بين المصادر المهمة التي اطلعت عليها، وعرفت كنه ما فيه من مادة علمية شائقة. لهذا شدني هذا السفر العظيم، وانتظرت فرصة سانحة من العمر أتفرغ فيها تماما لإنجاز تحقيقه، إلا أن ظروف العمل، والشواغل، كانت دائما تحول دون تحقيق هذه الرغبة، حتى شاءت إرادة الله أن يتحول الحلم إلى حقيقة واقعة. فبدأت متوكلا على العلي القدير، وألزمت نفسي ببرنامج عمل أسبوعي منتظم، كنت أتوجه فيه إلى مركز تحقيق التراث، أعمل فيه بهمة واستمتاع، يساعدني في ذلك زميلات فاضلات وزملاء أعزاء، خصصت صفحة لذكر أسمائهم وتقديم الشكر لهم.
ولقد أمضيت على هذا النحو أكثر من تسع سنوات، أحقق كل جزئية من جزئيات المخطوط، فكان يتزايد حماسي للعمل مع كل لوحة تنسخ، وورقة تحقق، وحاشية تكتب.
1 / 16