يتصدر مقدمة مؤرخي عصره، ليس هذا فحسب بل إن الصراع بينهما على وظيفة حسبة القاهرة وضواحيها تأجج بينهما، خاصة بعد أن عزل السلطان الناصر فرج بن برقوق الشيخ المقريزي من الحسبة، وولاها العيني سنة ٨٠١ هـ/ ١٣٩٩ م. فكان هذا الأمر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ أخذ المقريزي يكيل التهم للعينى، ويصفه بممالأة الحكام، وكان رد العينى عليه أن وصفه بالجهل وعدم المعرفة (^١).
ولم يسلم المقريزي من نقد العيني حتى بعد وفاته؛ إذ ذكر عند ترجمته له أنه "كان مشتغلًا بكتابة التواريخ، ويضرب الرمل" (^٢). وفي هذا تقليل من قيمة المقريزي العلمية، إذ لا يجتمع العلم والدجل.
وقد شرب العيني من الكأس التي سقى منها المقريزي؛ فلم يسلم من نكاية المنافسين له من أرباب الوظائف، أمثال ناصر الدين بن البارزي -كاتب السر- الذي نجح في إيغار صدر السلطان المؤيد شيخ، فأبعده عن الحسبة. كما نجح ابن البارزي أيضًا في الإيعاز إلى صهره السلطان جقمق، فأبعد العيني عن القضاء عام ٨٤٢ هـ / ١٤٤١ م. ولا يعني هذا أن العيني كان مضطهدا من كل معاصريه، وإنما كانت الحرب بينه وبين المنافسين له بسبب نجاحه وتبوئه المناصب العليا التي كانوا يحلمون بتقلدها.
مصادر العصر الأيوبي التي اعتمد عليها العيني:
من أشهر من نقل عنهم العيني عند كتابته عن العصر الأيوبي القاضي الفاضل - (عبد الرحيم البيساني المتوفي سنة ٥٩٦ هـ/ ١٢٠٠ م) الذي كان من ألصق الناس بصلاح الدين. وقد عاصر فترة انتقال الحكم من الفاطميين إلى الأيوبيين. وعمل بمثابة مستشار خاص لصلاح الدين، وقد بلغت ثقته به حدًا كبيرًا حتى أنابه في إدارة شئون مصر في الفترة من سنة ٥٨٥ - ٥٨٨ هـ / ١١٨٩ - ١١٩٢ م إبان حربه ضد الحملة الصليبية الثالثة. واعترف صلاح الدين بفضله بقوله "ما فُتحت البلاد بالعساكر إنما فُتحت بكلام القاضي الفاضل". وهذا يؤكد خصوصية دور القاضي الفاضل لدى صلاح الدين.
_________
(^١) انظر عقد الجمان، ج ٢٥، ورقة ٥١. مخطوط بدار الكتب المصرية، رقم ١٥٨٤ تاريخ.
(^٢) عقد الجمان، ج ١٩، ورقة ٢٣٤؛ ج ٢٥، ورقة ٧٢٥.
1 / 27