الشَّرْع ومأخذه ورعاية حكمه الثَّانِيَة أَن يكون مِمَّا لَا ينْقض الحكم بِهِ فَلَا بَأْس بِفِعْلِهِ وَلَا بِتَرْكِهِ إِذا قلد فِيهِ بعض الْعلمَاء لِأَن النَّاس لم يزَالُوا على ذَلِك يسْأَلُون من اتّفق من الْعلمَاء من غير تَقْيِيد بِمذهب وَلَا إِنْكَار على أحد من السَّائِلين إِلَى ان ظَهرت هَذِه الْمذَاهب ومتعصوبها من المقلدين فَإِن أحدهم يتبع إِمَامه مَعَ بعد مذْهبه عَن الْأَدِلَّة مُقَلدًا لَهَا فِيمَا قَالَ فَكَأَنَّهُ نَبِي أرسل إِلَيْهِ وَهَذَا نأي عَن الْحق وَبعد عَن الصَّوَاب لَا يرضى بِهِ أحد من أولي الْأَلْبَاب انْتهى وَقَالَ من قلد إِمَامًا من الْأَئِمَّة ثمَّ أَرَادَ تَقْلِيد غَيره فَهَل لَهُ ذَلِك فِيهِ خلاف وَالْمُخْتَار التَّفْصِيل فَإِن كَانَ الْمَذْهَب الَّذِي أَرَادَ الِانْتِقَال إِلَيْهِ مِمَّا ينْقض فِيهِ الحكم فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَال إِلَى حكم يجب نقضه فَإِنَّهُ لم يجب نقضه إِلَّا لبطلانه وَإِن كَانَ المأخذان متقاربين جَازَ التَّقْلِيد والانتقال لِأَن النَّاس لم يزَالُوا من زمن الصَّحَابَة ﵃ إِلَى أَن ظَهرت الْمذَاهب الْأَرْبَعَة يقلدون من اتّفق من الْعلمَاء من غير نَكِير من أحد يعْتَبر إِنْكَاره وَلَو كَانَ ذَلِك بَاطِلا لأنكروه وَالله أعلم بِالصَّوَابِ انْتهى
وَإِذا تحقق عنْدك مَا بَيناهُ علمت أَن كل حكم يتَكَلَّم فِيهِ الْمُجْتَهد بإجتهاد مَنْسُوب إِلَى صَاحب الشَّرْع عَلَيْهِ الصَّلَاة والتسليمات إِمَّا إِلَى لَفظه أَو إِلَى عِلّة مَأْخُوذَة من لَفظه وَإِذا كَانَ الْأَمر على ذَلِك فَفِي كل اجْتِهَاد مقامان أَحدهمَا أَن صَاحب الشَّرْع هَل أَرَادَ بِكَلَامِهِ هَذَا الْمَعْنى أَو غَيره وَهل نصب هَذِه الْعلَّة مدارا فِي نَفسه حِين مَا تكلم بالحكم الْمَنْصُوص عَلَيْهِ أَو لَا فَإِن كَانَ التصويب بِالنّظرِ إِلَى هَذَا الْمقَام فأحد الْمُجْتَهدين لَا لعَينه مُصِيب دون الآخر وَثَانِيهمَا أَن من جملَة أَحْكَام الشَّرْع أَنه ﷺ عهد إِلَى أمته صَرِيحًا أَو دلَالَة أَنه مَتى اخْتلف عَلَيْهِم نصوصه أَو اخْتلف عَلَيْهِم مَعَاني نَص من نصوصه فهم مأمورون بالإجتهاد واستفراغ الطَّاقَة فِي معرفَة مَا هُوَ الْحق من ذَلِك فَإِذا تعين عِنْد مُجْتَهد شَيْء من ذَلِك وَجب عَلَيْهِ اتِّبَاعه كَمَا عهد إِلَيْهِم أَنه مَتى اشْتبهَ عَلَيْهِم الْقبْلَة فِي اللَّيْلَة الظلماء يجب عَلَيْهِم أَن يتحروا ويصلوا إِلَى جِهَة وَقع تحريهم عَلَيْهَا فَهَذَا حكم علقه الشَّرْع بِوُجُود التَّحَرِّي كَمَا علق وجوب الصَّلَاة بِالْوَقْتِ وكما علق تَكْلِيف الصَّبِي بِبُلُوغِهِ فَإِن كَانَ الْبَحْث بِالنّظرِ إِلَى هَذَا الْمقَام نظر فَإِن كَانَت الْمَسْأَلَة مِمَّا ينْقض فِيهِ اجْتِهَاد الْمُجْتَهد فإجتهاده بَاطِل قطعا وَإِن كَانَ فِيهَا حَدِيث صَحِيح وَقد حكم بِخِلَافِهِ فإجتهاده بَاطِل ظنا
1 / 12