توقف ليرتشف من كوب ماء، ثم قال: هكذا وجدت نفسي ذات صباح واقفا مروعا أمام معابد طيبة. ولم يكن هذا شعوري وحدي؛ فقد وقف الجنود في طوابيرهم وأدوا التحية العسكرية على قرع الطبول وعزف الموسيقى كما لو كان احتلال آثار هذه العاصمة هو الهدف من فتح مصر. رسمت كل شيء وأظن أني أول من يفعل هذا في العصر الحديث.
تناول بعض اللفائف ثم تطلع حوله. وأشار لي أن أساعده. فتقدمت منه وساعدته في بسط إحداها، وأمسك هو بطرف وأنا بالطرف الآخر.
استأنف الحديث: هذه صورة معبد دندرة. ما رأيته فيه أذهلني وقلت لنفسي: لا يهم الآن ما يحدث لي فيكفيني ما رأيته.
سعل ثم استطرد: كانت مشاعري متناقضة. فعندما رأيت الأهرامات لأول مرة شعرت بالخوف، وتساءلت عن نظام الحكم الاستبدادي الذي أنتجها، والشعب الراضخ الذي بناها. في وادي الملوك ودندرة داهمني شيء آخر. اكتشفت أن المصريين لم يستعيروا شيئا من غيرهم ولم يضيفوا زخرفا واحدا دخيلا. ولا حشوا واحدا. فأبنية المعابد تتسم ببساطة ونظام آسرين سموا بهما إلى الذروة.
أغلق لفافة الرسم وفتح واحدة أخرى لجزيرة وسط النيل.
قال: احتلال أسوان بدأ نزهة. ولم يمض علينا بها يومان حتى انتشرت دكاكين الخياطين والحذائين والحلاقين الفرنسيين والمطاعم. وزرت مع بليار جزيرة الفنتين. وعندما أردنا أن نتقدم إلى جزيرة فيلة تجمع أهاليها وعلت صيحاتهم وراحت النسوة تولول. عندئذ اقتحم بليار الجزيرة بالقوة ورأيت النساء يغرقن الأطفال الذين لا يستطيعون حملهم، ويشوهن بناتهن حماية لهن من الاغتصاب. ورأيت فتاة في السابعة في حالة تشنج، واكتشفنا أنها خيطت بطريقة منعتها من التبول.
تحركت بعض المقاعد وشعرت أن البعض لم يكن مرتاحا لهذا الحديث. وأدرك هو ذلك فغير كلامه.
قال: عشية رأس السنة وصلت القافلة السنوية من الجنوب. ألفان من الجمال تحمل سن الفيل وتبر الذهب والتمر الهندي والعبيد الزنوج. هل تعرفون كم سعر العبد الأسود؟ بندقية إذا كان امرأة واثنتين إذا كان رجلا. كانت فرصة لأعرف هل توجد حقا مدينة تسمى تمبكتو! لكن من سألتهم لزموا الصمت. وعلى كل فقد خرجت من هذه التجربة بأن هناك سوقا هائلة لبضائعنا في أفريقيا.
انتهى حديثه فسأله أحد الجالسين عن الغنائم، وكيفية توزيعها. قال: عندما هاجمنا القافلة القادمة من دارفور استولينا على 897 جملا. وتم توزيع الغنائم على أساس 12 نصيبا لقائد الهجوم، و6 أنصبة لمساعده، ونصيب لكل ضابط صف وخيال. وبعض الجنود حصلوا على ما قيمته 15 ألفا أو 20 ألف فرنك ذهبي.
عندما هم بالانصراف سألته إذا كان يمكنني أن أشاهد بقية رسوماته؛ فرحب ودعاني لزيارته في بيت المصورين.
Bog aan la aqoon