Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Noocyada
إن مسألة تصادم المبادئ الأدبية مسألة ضميرية بحتة، فإذا كان الضمير حيا، والإرادة حسنة، والعقل حكيما؛ فالخوف من خطأ الحكم قليل جدا. فالعبرة ليست بصيغة الوصايا والشرائع أدبية وغير أدبية، بل العبرة بالنسبة الأدبية، فحيث تكون النفس متأدبة؛ أي راقية في سلم الأدب النفسي، يكون الضمير صالحا، والعقل حكيما، والإرادة حسنة؛ لذلك يفضل أن يبذل الجهد في تهذيب الأخلاق وتأديب النفوس على أن يبذل في تنقيح الشرائع وتوسيعها.
لأن الشرائع لا تصنع الشخصيات الأدبية، بل الشخصيات الأدبية تصنع الشرائع. (2-3) تفصيل الواجبات
تختلف الواجبات من حيث صيغتها واحتمال القيام بها وضرورته، وهي:
أولا: «الواجبات المحدودة» وهي الواجبات التي يمكن صوغها في صيغة محدودة من غير استثناء فيها، وهي التي تنص عليها الوصايا الشرعية التي يفرض عقاب لمخالفتها؛ كوصايا الدين أو وصايا الحكومة، وهي على الغالب واجبات سلبية؛ أي واجب الامتناع كقولك: لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد زورا.
ثانيا: «الواجبات غير المحدودة» وهي التي يتعذر صوغها في صيغة محدودة كشريعة، ولكنها في الوقت نفسه ينتظر من كل شخص اجتماعي أن يقوم بها بحسب طاقته، كواجبات احترام النظام، واحترام الشخصيات، والحرص على نجاح المجتمع.
ثالثا: «الواجبات المستثنية» وهي واجبات غير محدودة لا يمكن صوغها كشريعة، وفوق ذلك لا ينتظر من كل فرد أن يأتيها، ولا يمكن أن تؤتى في كل ظرف، بل هي تتوقف على طاقة الأشخاص وظروف الزمان والمكان كالمبرات مثلا؛ فهي ليست واجبا على كل شخص، وفي كل ظرف؛ فلا يمكن للفقير أن يحسن، وللضعيف أن ينجد. والطبيب يستطيع أن يسعف الآن، ولكنه إذا كان مريضا فلا يستطيع، والقوي يمكن أن ينجد في البر، ولكنه لا يستطيع النجدة في البحر؛ لأنه لا يحسن السباحة.
على أنه لا يستطاع وضع حدود قاطعة بين أنواع هذه الواجبات لأسباب مختلفة؛ أولا: لأن الشرائع المصوغة صياغة محدودة قابلة للتغير والتبدل والتنقيح بحسب طبائع الأمم الاجتماعية، وبحسب الزمان والمكان، فالربا مثلا جائز عند أمم وممنوع عند أخرى، وثانيا: لاختلاف مقدرة الناس في القيام بالواجبات كما تقدم القول، ولاختلاف الظروف والأحوال التي تستدعيها. (2-4) أدبية الواجبات
ثم إن جميع الواجبات شرعية وغير شرعية تعد واجبات أدبية إذا كان المرء يقوم بها من تلقاء نفسه لاعتبار أنها حسنة، وأنها لازمة لخير المجتمع؛ فإذا كان يقوم بواجب خوفا من عقاب، أو طمعا بثواب؛ لم تعد أدبية، بل تكون إلزامية ولا حرية للإرادة فيها. وحيث لا تكون الإرادة حرة فلا يكون السلوك أدبيا.
وكلما كان فعل الواجب بعيدا عن الاستلزام قرب إلى الفضيلة؛ لأن الفضيلة سجية تدفع الفاعل لعمل الواجب من تلقاء نفسه بلا تغرير ولا إغراء، ولا وعد ولا وعيد؛ لذلك يجب أن يترك تعيين الواجب أو تحديده لتبصرة المرء نفسه، وليس لعلم أدب النفس أن يقرر له واجباته؛ لأن الإنسان لم يترك بلا دليل، بل له مرشد في نفسه، وهو ضميره، وهو كشخص متعقل يجد في الظروف التي وجد فيه منهجه مختطا له بحدوده. وجميع الأفراد معا يجدون أنفسهم في مناهج خاصة تسمح لهم أن يسيروا فيها بحسب نظام حيوي عام.
وواجباتهم الرئيسية مرتبطة بتنفيذ عملهم المطابق لهذا النظام. (2-5) الواجبات العرفية
Bog aan la aqoon