Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Noocyada
بهذا الشعور - شعورنا بالاستقلال عما حولنا وبالسيطرة على ما حولنا - نشعر أن فينا نزعة إلى الاستعلاء والتعاظم على كل ما حولنا. وهذه النزعة تدفعنا إلى ابتغاء أجود الأحوال التي يقتضيها ذلك التعاظم؛ أي إن توفقنا إلى تحسين أحوالنا الداخلية والخارجية، وبالجملة توفقنا إلى ترقية ذاتيتنا. هذه النزعة هي نزعة الرقي المتمركزة في دائرة النوع الإنساني بين سائر الدوائر الكونية.
فهذه النزعة، نزعة الاستعلاء والتفخم التي يمتاز بها الإنسان على الحيوان وسائر ما حوله من الأشياء، إنما هي نبضة من نبضات الحياة الأولية، والغرض الأعظم من أغراض الحياة، بل إن الطبيعة جعلت هذا الغرض الأعظم في الحياة واسطة لغرض أبعد منه؛ وهو الارتقاء إلى جهة المثل الأعلى في الجودة، فالطبيعة ترمي إلى التمثل بأجود مثال لها، والحياة أجود أمثلتها، ولكنها غير قانعة بهذا المثال، ولا هي واقفة عند هذا الحد، بل تريد أن تبتدع من الحياة مثالا أجود أيضا؛ ولذلك ابتدعت الحياة الأدبية، ومنها ابتدعت الحياة الإنسانية العليا، ومن يدري ماذا تبتدع بعد ذلك؟ (2) المثل الأعلى (2-1) الإنسانية العليا هي المثل الأعلى
إذن ترى أن معنى الحياة أو الغرض الذي ترمي إليه هو الحسن الأحسن، أو الجيد الأجود، أو الجميل الأجمل. وقد علمت أيضا أن الوجهة التي تتجه إليها الطبيعة في حركاتها هي الإنسانية العليا المتكونة من الحياة العقلية الأدبية. فغاية الحياة القصوى كما دربتها الطبيعة إليها هي المثل الأعلى في الإنسانية، وما الإنسانية إلا أجمل جمال عقلي أدبي، واللذة التي تحدث من جراء الحركة الحيوية في اتجاهها إلى هذا المثل الأعلى إنما هي غاية قصوى للفرد، ولكنها ذريعة إغرائية لغاية الحياة القصوى؛ أي الإنسانية العليا.
فنحن نفعل الأمور التي نعتقد أنها أفضل اللذات؛ أي اللذة التي ما نفعله لأجلها يؤدي إلى المثل الأعلى، لماذا؟ لأن هذا الفعل يكفل أولا: بقاء الفرد، وثانيا: بقاء السلالة، وثالثا: السير في الجهة القويمة إلى المثل الأعلى. فترى أن السلوك الأجود المؤدي إلى اللذة الفضلى هو الذي يؤدي إلى غاية الحياة القصوى التي نحن بصددها، لا إلى إرضاء شعورنا بالحسن، ولا إلى إرضاء مشتهياتنا الشخصية. (2-2) المثل الأعلى ميراث الطبيعة للإنسان
إن إرضاء مشتهياتنا هذه هو غاية قصوى لنا، ولكنه ليس غاية قصوى للحياة الأدبية، بل هو لها ذريعة إلى غايتها القصوى التي هي المثل الأعلى في الإنسانية. فسلوكنا الأجود لا يرمي إلى إرضاء شعورنا فقط، بل إلى إرضاء الحياة الأدبية بالأولى.
لو كانت الحياة قد وجدت لإرضاء مشتهيات الذاتية الإنسانية فقط لما كان ثمة مثل أعلى؛ لأن الغاية تقف حينئذ عند حد في الارتقاء، وبالتالي لا يكون ثمة رقي، ولكن وجود الرقي واطراده يثبتان أن معنى الحياة أو نزعتها ليس إرضاء النفس، بل الرقي في سلم المثل الأعلى في الإنسانية الجميلة، وما إرضاء النفس إلا ذريعة لهذا الرقي. فنحن في سعينا إلى الحسن الأفضل نسير نحو المثل الأعلى، سواء أردناه نفسه غاية لنا، أو أردنا لذة السلوك المؤدي إليه غاية لنا، وكلما دنونا من المثل الأعلى رأينا مثلا آخر أبعد منه فنسعى إليه، واطراد سعينا إليه هو الرقي.
فمعنى الحياة الأسمى هو الرقي، والإنسان أو النوع الإنساني مستمر على هذه السنة، فذاتيته وعقليته وإرادته إنما هي أدوات هذا السير، والحياة محركة أو مدربة هذه الأدوات في سيرها، وما الإنسانية العليا إلا المثل الأعلى المضمون في قلب الطبيعة، وقد خصت به الإنسان، فهو تراثها. (2-3) سنة الحياة
إذن سنة الحياة أولا: الحركة؛ أي فعل شيء، ثانيا: كيفية هذه الحركة التي تعينها طبيعة الإنسان النابضة بقوة حركة الحياة، ثالثا: أن ضمانة بقاء الحياة وجزاءها على هذه الحركة هما إرضاء هذه الطبيعة الإنسانية النابضة.
فأنت تفعل أفعالك بقوة حركة الحياة، وتوجه فعلك في الجهة التي تقتضيها نوابض طبيعتك، واللذة التي تنالها من نتيجة فعلك إنما هي جزاء الحياة لك على فعلك، وبالوقت نفسه يكون فعلك ضامنا بقاء الحياة مستمرة في رقيها إلى المثل الأعلى.
يتضح لك مما تقدم أن القاعدة الأدبية الرئيسية؛ أي القاعدة الأساسية للحق والواجب هي أن يكون فعلك متجها إلى غاية الحياة القصوى؛ أي الترقي على سلم المثل الأعلى، فإذا كان فعلك متجها في هذه الجهة كان راميا إلى الحسن الأفضل، وما اللذة التي تنالها من جرائه إلا غاية لك. أما هو فواسطة لقضاء غرض الحياة الأقصى. (3) الشخصية الاجتماعية
Bog aan la aqoon