Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Noocyada
علمت مما تقدم أن السرورية الأدبية الأنانية مرفوضة لمناقضتها للمبادئ العامة، ولا يستطيع أن يبررها القائلون بها إلا حين يقولون: إن على المرء أن يبتغي سروره الأعظم، اللهم إذا لم يمس سرور الآخرين، أو أنه يطلب سرور الآخرين ما دام يتفق مع سروره الأعظم.
أما ابتغاء السرور الأعظم فيستلزم تقدير قيمة السرور أو المسرات، وقيمة السرور يمكن أن تقدر بأمرين أو بأحدهما: الحدة والمدة، فبعض أنواع السرور تفضل على البعض؛ إما لأنها أشد تحريكا للشعور، أو لأن الشعور بها أدوم. وقد أدخل بعضهم في تقدير القيمة عدد أنواع السرور، ولم يروا بدا أيضا من اعتبار الألم المنافي للسرور؛ ولذلك أصبح تقدير قيمة السرور مسألة رياضية، فتعين لحدته ولمدته قيمة واحدة، وله القيمة الإيجابية، وللألم القيمة السلبية، فتطرح وحدات هذا من وحدات ذاك، والباقي هو السرور الأعظم.
ومع أن «السرورية الأنانية» مناقضة للروح الأدبية العامة، فقد حسبها بعضهم - كالدكتور سيدويك
Dr Sidwick - أمرا لا بد من اعتباره في الأدبيات؛ لأن الغاية التي نقصد إليها لا بد أن تكون غاية تجلب معها إرضاء مطالب طبيعتنا. ومهما قلنا: إن هناك سببا خارجيا يحملنا على أي قصد أو غاية، نجد أن هناك مطلبا أقصى في طبيعتنا يحملنا على قبول هذا السبب الخارجي. وإذ سئلنا: ما هو الذي يرضي مطالب طبيعتنا؟ قلنا: هو السرور. هذا هو تعليل السروريين. (3-2) السرورية الأدبية العامة
علمت أن السرورية الأدبية العامة هي أن تبتغي أعظم سرور ممكن لجميع الناس، ولكن إذا سألت السروريين: لماذا نقول إننا نبتغي أعظم سرور ممكن لجميع الناس، ولا نقول إننا نبتغي أعظم خير لجميع الناس؟ قالوا لك: لأننا نجد سرورنا في هذا الابتغاء، فنحن نقصد سرورنا المشتق من سرور الجمهور لا خير الناس، وما ابتغاء الخير إلا واسطة للحصول على هذا السرور الذي نقصد إليه، ولا أحد يبتغي سرور المجموع إلا تذرعا للحصول على سروره الخاص. (4) السعادة
قد يتراءى لك أن السعادة والسرور لفظان مترادفان لمعنى واحد؛ لأنك تقول: طالما أنا مسرور فأنا سعيد. والحقيقة أن السعادة أعم من السرور؛ فكل سعادة هي سرور ولا يعكس، وبينهما فرق من حيث كيفية السرور لا من حيث مقداره. وقد حددهما «مويرهد» بأن السعادة هي شعور آخر يرافق الشعور بالسرور مع ما فيه من الألم في الجهاد للحصول على السرور، أو ما فيه من فشل السلوك في الحصول عليه بتاتا - أو ناقصا - شعور بأن المرء سلك سلوكا حسنا، فالذي تستفزه المروءة لتخليص غريق إذا لم ينجح تألم لفشله، لكنه يكون سعيدا بأنه لبى داعي المروءة.
نقول إذن: إن السرور هو ما رافق السلوك ونتيجته، والسعادة هي استمرار الشعور بالسرور بعد انتهاء السلوك وانتهاء نتيجته. السرور شعور بإرضاء الرغبة؛ كإشباع الشهوة، أو إرضاء أي خلق، والسعادة شعور النفس بكليتها من غير نظر إلى الخلق الذي أرضي. بعد الفعل الحسن تبقى شاعرا بسرور عام في ذاتيتك كلها. السعادة نتيجة السرور الأعظم الذي تتمتع به الذات من الوجهة الأدبية؛ فمن يعمل عملا وطنيا، أو يجعل الفضائل قاعدة سلوكه؛ يشعر بسرور نفس مستمر. فهي السعادة.
فإذن الحسن يقاس بما ينتجه من السعادة، والأحسن هو الأسعد كما أنه الأسر. وهذه القاعدة تضعف حجة السروريين الذين يقولون بأن السرور هو الغاية القصوى للسلوك؛ لأن السعادة ليست ابتغاء السرور لنفسه، بل السرور واسطة لغاية أفضل. فالذي يتبرع بمال لإنشاء مدرسة مثلا يحرم نفسه لذة التمتع بماله لكي يتمتع بسعادة النفس من جراء تبرعه، فسروره بإنشاء المدرسة لم يكن إلا وسيلة لهذا العمل الإنساني. وهو لم يبتغ السرور لنفسه، بل العمل الإنساني، وإنما هذا العمل جلب سروره.
فهنا التمتع الذاتي يضحي في سبيل الخير العام، النجاح الفردي يضحي لأجل النجاح العمومي. وستعلم أن قاعدة السلوك الأفضل والأتم سعادة هو ما آل إلى الرقي العام نحو المثل الأعلى.
الباب الثاني
Bog aan la aqoon