Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Noocyada
فإذا تمثلت لك هاتان الحقيقتان، سهل عليك أن تتصور معنى المبدأ الأدبي الرئيسي المنبث في الجسم الاجتماعي كانبثاث المبدأ الحيوي «البروتوبلاسم» في الجسم الحيواني، والذي هو نواة كل شخصية فيه كنواة «البروتوبلاسم» في كل خلية حيوانية، فإذا تمثل لك معنى المبدأ الرئيسي هكذا، فقلما يهمك اسمه أو اللفظ المعبر عنه، فلك أن تسميه «الجودة» - ولكنها لفظة مبهمة ومطلقة المعنى جدا؛ فقد تضللك - ولك أن تسميه «الفضيلة».
وهذه وإن كانت تطلق على مبادئ أدبية متنوعة مختلفة، فهي محدودة المعنى قد لا تتناول في بعض الأحوال معنى المبدأ الأدبي الأعلى كما فهمته آنفا. وعندي أنه إذا عبرنا عنه بلفظة «المحبة» يقل الالتباس، أو ينتفي تماما في التعبير عنه في مختلف المواقف؛ لأن المحبة مركبة من جميع الفضائل كضياء الشمس المركب من جميع أشعة الألوان، فالمحب يعدل ويصدق ويشفق ويساعد ويضحي إلخ، وإذا بحثت عن القوة التي تربط الفرد بالمجتمع وجدتها المحبة بعينها؛ فلذلك إذا بحثنا عن المثل الأعلى في الأدبية، أو المبدأ الأدبي الرئيسي الذي يصوغ نموذج الحياة الاجتماعية وجدناه في «المحبة».
ولذلك نتتبع تقلبات التطورات الأدبية ونحن ندور في بحثنا حول محور المحبة وما يتفرع منها من المبادئ الأدبية. (2-2) تطور المحبة وارتقاؤها
نجد فعل المحبة الأول في تكوين الحويصلة الاجتماعية «العائلة»؛ فالمحبة العائلية ناشئة من جرثومتين مقترنتين؛ الأولى: حنو الأمومة - الأقدم عهدا من حنو الأبوة - والثانية: الحب الزوجي، ثم تفرعت إلى التعاطف بين أعضاء الأسرة، والصداقة بين أفراد العشيرة، فالقبيلة، فالقوم، فالأمة. ولما صارت سجية اجتماعية صارت عطفا من فرد على مجموع أفراد القوم، ولما تمثل هذا المجموع بجسم اجتماعي صار حب الفرد لهذا الجسم الاجتماعي يسمى «حب الوطن».
ولما أصبح هذا الحب الاجتماعي؛ أي حب المجتمع، مبدأ واحدا بعينه رئيسيا لكل قوم، وكان هو إياه بعينه في جميع الأقوام؛ صار التعاطف بين جميع الأقوام نتيجة طبيعية. وهو ما يعبر عنه ب «الإنسانية» و«حب الإنسانية».
هذا مجمل تطور المبدأ الرئيسي «المحبة» في تاريخ الاجتماع، ولكنه وهو متدرج اعتورته عدة تطورات جانبية وتقهقرية كانت تفضي إلى تفرع مبادئ أدبية مختلفة تستلزم نشوء أنظمة متنوعة أيضا كما ترى فيما يلي: (2-3) تحول المحبة إلى احترام
أول هذه التطورات هو أن جانبا من الحب البنوي، الذي هو رد فعل الحب الوالدي، تكيف أو تزيا بزي «احترام» الابن للأبوين، أو لأعظمهما سلطة. وهذا الاحترام هو رد فعل لهيبة هذه السلطة، وكلما تباعد هذا التفاعل في السلالة ازداد تزيي المحبة بالاحترام. فاحترام الحفيد للجد أكثر من احترام الابن للأب، ولكن حبه أقل. وعلى هذا النحو يجتمع احترام أفراد الأسرة في زعيمها، ثم في زعيم العشيرة إلخ، كما أنه كلما تقادم عهد الجد أو الزعيم؛ أي كلما بعد التفاعل بين الجانبين، عظم مقام الجد الزعيم إلى أن يصبح نصف إله، وكلما تقادم عهده عظمت ألوهيته حتى يصبح أخيرا إلها كاملا. (2-4) تأليه الزعيم
فترى أن أول فرع تفرع من المحبة في أثناء تطورها كان الزعامة، ومن هذه في أول عهدها العريق في القدمية نشأ نظام الألوهية أو التأليه، فكان الطور الأول من الألوهية طور إنصاف الآلهة، أو زعماء القبيلة الأبطال، ثم تلا دهره دهر الآلهة الكاملين، وهم نخبة أولئك الأنصاف. وقد صقل تناقل الروايات أساطيرهم، فجعلها مفعمة بالخوارق التي تليق بعظمة الألوهية وقدرتها، ثم تلا ذلك الدهر دهرنا الحالي الذي توحدت فيه الآلهة، أو بالأحرى استخلص منها العقل البشري المتفلسف فيها إلها واحدا أعظم منها جميعا.
وربما كان موسى أول من قال بالإله الواحد الأعظم، ولكنه لم ينف وجود الآلهة الآخرين نفيا باتا، بل تصورهم ضعفاء جدا بالنسبة إلى يهوه، ثم جعلت فكرة تعدد الآلهة تضعف رويدا إلى أن بقي في العقل الإنساني إله واحد فقط لا يوصف، مع أنه كان لعهد موسى يوصف بأنه رب الجنود ورب الأرباب، وبأنه يغضب ويندم إلخ. (2-5) نشوء الاشتراع
وفيما كان نظام الألوهية يتطور هكذا، كانت المحبة التي هي نواته تتزيا بزي الاحترام حتى صار الاحترام تعبدا وتقى. فالتقوى إنما هي محبة متطورة، هي مبدأ أدبي أعلى، هي نموذج سام للحياة. ونشوء هذا المبدأ استلزم وجود نظام اشتراع الوصايا الدينية وما يقارنها من العقاب والثواب الدنيويين والأخرويين. وزبدة هذه الشرائع في وصايا موسى العشر التي أولها إيجاب عبادة الله، وباقيها العدل في معاملة الغير. وقد ردها جميعها المسيح إلى أصلها بقوله: «حب الله وحب قريبك كنفسك.» فما خفي عليه أن أس الفضائل المحبة.
Bog aan la aqoon