Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Noocyada
على أن الحقيقة في الثواب لا تقف عند هذه النظرية فقط، بل تتضح في نظرية أخرى، وهي أن الثواب حاصل كنتيجة طبيعية لطاعة الشريعة أو عمل الخير؛ فإن الذي يطيع الشريعة ويسير حسب الفضيلة يكون مجاهدا في ميدان الحياة بالاتفاق مع إخوانه ونظام المجتمع، فيجد في التعاون ثوابا لصلاحه، وفي النصيب الذي يناله من رقي المجتمع العام أجرا لحسناته. (4-2) الثواب المعجل
وهنا قد تقول: إذا كان الثواب الطبيعي قد يأتي مؤجلا كالعقاب الطبيعي، فلماذا تتعمد سلطة المجتمع تعجيل العقاب ولا تتعمد تعجيل الثواب؟ لماذا لا يكون قانون للمثوبات كما يوجد قانون للعقوبات؟
والجواب: أولا أن ثواب العمل الصالح من تلقاء نفسه معجلا على الغالب، وقلما يأتي مؤجلا؛ لأن المرء وهو يسعى ويعمل ويكد مصاقبا لنظام المجتمع، وموافقا لمساعي إخوانه يكون ساعيا إلى النجاح بالطريق الأقرب؛ فيبلغ إليه عاجلا، وهو الثواب المعد له. ويمكن أن يستحق المرء الصالح ثوابا لمبرات نافلة غير محتمة الوجوب عليه، فإذا لم ينل هذا الثواب إلا آجلا؛ فلأن الثواب نفسه نافلة كالمبرة؛ ولذلك لا يجعل له شريعة، كما أن لا شريعة للمبرة النافلة.
وهناك اعتبار آخر أهم شأنا - وهو لا يخفى عليك - أن الشريعة النظامية الحتمية؛ أي شريعة الحكومة أو الدين، حتى الشريعة الأدبية الاختيارية، إنما هي مضيقة للحرية الشخصية، وكل ما يضيق الحرية يقلل المسئولية؛ وبالتالي يضعف قوة الأدبية.
فالفعل المحتوم بموجب الشريعة يخرج من دائرة الأدبيات؛ فلذلك اقتصرت الشرائع على النهي عن الأفعال الشريرة التي تعرض المجتمع للخطر، وأنذرت فاعليها بالعقوبات العاجلة حرصا على سلامة المجتمع؛ لأنه لو أمهل الأشرار إلى أن يقع العقاب الطبيعي الآجل عليهم، فقد يتقوض نظام المجتمع قبل أن يقع شرهم الخاص على رءوسهم وحدهم؛ فلذلك اقتضي تعجيل إيقاع العقاب عليهم.
وأما الأفعال الصالحة التي تئول إلى رقي المجتمع، فقد ترك الأمر فيها لحرية الناس لكي يأتوها بدافع القوة الأدبية بمطلق اختيارهم، فلم تقيد بثواب، ولا تقيد التقاعد عنها بعقاب.
وبالإجمال يقال: إنه لا ثواب معين للقيام بالواجب حسب مقتضى النظام والشريعة. حسبه النجاح ثوابا له. ولكن لعصيان الشريعة ومخالفة النظام بعكس الواجب عقابا معينا. هكذا اقتضى الرقي الاجتماعي العام الذي تتوزع نعمه على الجمهور.
الباب الرابع
الرقي الأدبي
الفصل الأول
Bog aan la aqoon