قالتها الجازية للسلطان حسن أخيها الأكبر، فتضاعفت حيرته إلى حد عدم الخلود إلى النوم في لحظات قيظ الظهيرة مجيبا: وأنا ماذا أفعل؟ كلاهما ينتظر خطب ودك، دياب وشكر. - لا أعرف!
ويسرت الجازية الطريق لأخيها الأكبر ذاكرة عرضا اسم قاضي القضاة بدير بن فايد، الذي أرسل السلطان في طلبه حيا بسماحته التي عرفت عنه، لإقناع كلا الأميرين الراغبين في الزواج من الجازية بإرجاء الموضوع وتقديم الأكثر أهمية من المشاكل بما يستلزم إتاحة الفرصة للجازية للإشارة بالحل، وما يمكن التعجيل به للخروج من تلك المحنة التي حطت بالهلاليين وحلفائهم.
هنا تبدت حنكة القاضي بدير بن فايد في إرجاء مطلبي كل من دياب بن غانم وشكر: نخلص أولا مما نحن فيه، وليس للأميرة الجازية جناحان خفاقان للطيران.
بل إن القاضي بدير عانى الأمرين خاصة في إقناع دياب بن غانم الذي كان يحفظ عن دراية تعبيرات وجهه، التي لا تعرف رفضا لمطلب له مهما تعالى.
إلا أن القاضي بدير استطاع إثارة فروسيته وحميته: الهلاليون في انتظار حربة دياب بن غانم التي يتغنى بها الشعراء يا أبا موسى.
أما مفاوضات القاضي مع أمير مكة «شكر» فكانت أقل حملا، خاصة وأن «نور بارق» ذاتها أو الجازية كانت كثيرة الحديث عن مآثره، لكن لم يحن الأوان بعد.
وفاجأ أبو زيد الهلالي السلطان حسن والجميع بقطع أيام زواجه بزيارة مضارب السلطان حسن، ومواجهته والجازية والأمير دياب والقاضي بدير وأمير مكة شكر والجميع بأهمية عمل شيء والتخلي عن الأمور الصغيرة الآن؛ لأن الأمر لم يعد يحتمل تأجيلا، خاصة وأطراف مجلس المشورة حاضرون في معظمهم بنجد، ومن سافر منهم يمكن استدعاؤه بشكل معجل للعودة إلى نجد دون تأجيل.
وبالطبع فإن قرني استشعار أبي زيد وعيونه وبصاصيه كانت لا تغيب لحظة عن نبض الناس وآمالهم وما أصبحوا يعانونه عبر تلك السنوات السبع العجاف، التي يبدو أنها اكتملت دورتها بموت الأميرة الأم شماء، للإقدام على عمل شيء كبير عاجل.
وعلى الفور استحضر السلطان حسن جميع مستشاريه وكتبته ومسجليه فحضروا على الفور، وتحول ديوانه إلى خلية عمل ليل نهار في تحضير الرسائل من علنية وسرية لبقية مجلس المشورة للهلاليين المتغيبين في أعماق اليمن ومشارف الشام والعراق، وحمل الرسل الرسائل الموثقة بخاتم السلطان، واندفعوا يقطعون السهول والمراعي والربى، لتنفيذ ما استجد من رغبة في عمل شيء للخروج من المأزق، وإعادة هيبة الهلالية وذراعها الضاربة التي تراخت طويلا طويلا.
وما إن اكتمل نصاب لقاء المشورة بعودة من رحل عن نجد المرية من الأمراء وشيوخ القبائل الهلالية المتحالفة، حتى أقاموا مضاربهم على أطراف وروابي نجد وتلالها التي تحولت من جديد إلى سوق عكاظ ماثلة مستبشرة بتلك الصحوة التي أصبح يعيها الجميع، كبارا وصغارا وشيوخا وشبابا وزوجات وأمهات، من بطون هلال. ومنهم من اضطر إلى الرحيل والعمل سواء في مدن الشام وفلسطين وبلاد السرو أو في عبادة - أي الأردن - ومصر العدية بحثا عن القوت والرزق.
Bog aan la aqoon