فما كان منه إلا أن جمع مجلس مشورته، في مقدمته الجازية التي تنفرد بثلث المشورة، وأجمعت المشورة أو الشورى على انتداب الأمير دياب بن غانم لحماية المؤخرة أو «البوش»، فهو وحده القادر على رد المعتدين والساطين على قوت وعتاد الهلالية غدرا وخلسة.
إلا أنه عندما استقر الرأي عليه لاضطلاعه بهذه المهمة أخذته من فوره ثورة من الغضب غير مصدق ما تسمعه أذناه، وكأنه واجه إهانة جماعية كبرى، سددتها إليه الهلالية على هذا النحو المزري: - أي أن تصبح مهمة دياب بن غانم هي حماية المؤن والنساء ليس غير!
من هنا تجدد اعتقاد دياب الراسخ بالإهانة فيما انطوت عليه هذه المهمة غير اللائقة بدياب الخيل، في أن ينتزع من القيادة والمقدمة ليصبح ذيلا في المؤخرة على هذا النحو المزري.
بل إن غضب دياب بن غانم هذا لم يقتصر عليه، بل امتد ساريا بين شيوخ وأمراء عرب اليمن وجنوب الجزيرة عامة، بما يعني الإخلال بقطبي التحالف الهلالي.
فحتى نساؤهم أصبن بالنفور من ذلك الرأي الذي أجمعت عليه المشورة إنقاذا للأرواح والمؤن والعتاد، ومن ذلك التسلل والسطو غير المتوقعين اللذين أحكم وضعهما العلام ذو الخطط الجهنمية.
وتبارت الأميرة وطفا بنة دياب في إلقاء موثباتها وأشعارها التحريضية ضد قرار المشورة الهلالية بانتداب دياب لحراسة المؤخرة، بدلا من إطلاق عنانه على رأس بني زغبة أو الزغابة لمنازلة الزناتي ذاته.
إلا أن دياب امتثل للمشورة وقبلها مرغما مضمرا الأحقاد الانتقامية السوداء لقادة التحالف - القيسي أو العدناني - عندما يحين الوقت المناسب.
وهكذا تحرك منسحبا بفيالقه المحاربة إلى أن وصل «البوش»، فأخذه وسار به إلى واد يطلق عليه وادي الغباين - وهو واد حصين بين التلال المزدهرة حيث الزهور فائحة والمياه سابحة - وأنشد في مرارة:
أنا دياب بن غانم حسن طيب
لا تخافوا علي لو سطا الديب
Bog aan la aqoon