قال: في الحقيقة أننا نحن الكتاب لا نعرف القوانين التي تحكم خلقنا للشخصيات والأحداث.
قلت: والمصادفات؟
قال: والمصادفات.
قلت: ماذا عنك أنت؟ ألم تحاول أن تتعرف على طريقتك التي بواسطتها تختار الأشخاص والأحداث والمصادفات؟!
قال: سأقول لك شيئا عن مسرحيتي «علماء الطبيعة» (وهي مسرحية في مفهومها العام جدا تقول إن بعض علماء الطبيعة الألمان ادعوا الجنون ولجئوا إلى مصحة أمراض عقلية خوفا من أن ننتزع منهم المعلومات عن القنبلة الذرية ويستعملها هتلر في إبادة الجنس غير الآري كله) استطرد قائلا: إن العلماء الأمريكان وصلوا مثلا إلى اكتشاف القنبلة الذرية لأنهم كانوا يعتقدون أن العلماء الألمان سيسبقونهم إلى اكتشافها، هكذا كان أينشتين الذي كان قد هاجر إلى أمريكا وأبو القنبلة الذرية أوبنهيمر وغيرهما، وصحيح كان هناك تجمع كبير من علماء الطبيعة النووية الألمان في ألمانيا، ولكنهم لم يكن في نيتهم أن ينتجوا قنبلة ذرية أبدا، وإن هتلر لم يكن يحفل كثيرا بجهود العلماء في الحرب، وكان يسميهم: «اليهود البيض»؛ لأنهم كانوا في معظمهم من تلاميذ وأتباع أينشتين اليهودي.
في مسرحيتي «علماء الطبيعة» يلجأ أحد أبطالها لمصحة الأمراض العقلية لأنه يعرف خطورة المعلومات التي اكتشفها ووصل إليها، وماذا يمكن أن يصنع بها هتلر وعصابته النازية، لقد تجنب ما أراد تجنبه باللجوء إلى ادعاء الجنون ودخول المصحة، ولكنه في المصحة يقع بين يدي طبيبة المصحة المتحمسة للنظام بنفس الطريقة التي يقع فيها أوديب «بالصدفة» في يد أمه «طيبة» وهذا هو ما يمكن أن نسميه ب «القدر» الذي لا يمكن للإنسان أن يتجنبه.
قلت: يسعدني هذا الحديث تماما يا أستاذ دورنمات، فقد كنت أرى إنتاجك وأنا أقرؤه وأشاهده، مجرد نصوص مسرحية رائعة أرى واجهتها الخارجية فقط، أما الآن فأنا أرى دورنمات الكاتب، دورنمات الداخلي وهو يعمل، وكيف يبدع فكرته، أراه حتى وهو يحرك أبطاله بطريقة ميكانيكية رياضية محسوبة مقدما كلعبة الشطرنج، ولكن لتسمح لي يا مستر دورنمات أن أختلف معك فالأبطال ليسوا أشياء تخضع تماما لقوانين الرياضة والحساب، إني أعتقد أنك تقلل من قيمة أبطالك بهذا الحديث، إني أراهم كائنات حية نابضة، أكثر حياة ربما من البشر العاديين، وهذا هو بالضبط المسرح، إننا لا نسمي الشخصية المسرحية «بطلا» عبثا، إنه بطل لأنه من المحتم قطعا أن يكون غير عادي حتى لو كان رجل شارع، أو على الأقل تكون عاديته غير عادية تماما.
قال: هذا طبيعي جدا، إن الأبطال المسرحيين مجرد نظريات على الورق تتحول إلى كائنات حية على المسرح، وهذا عمل كاتب المسرح.
قلت: أم عمل المخرج؟
قال بما يشبه الاستنكار: أرجوك لا تذكرني بالنجوم والمخرجين، إن تدهور المسرح الألماني الحالي سببه ارتفاع تكاليف الإنتاج المسرحي من ناحية، ومن ناحية أهم هؤلاء المخرجين النجوم فكل مخرج منهم يريد أن يكون هو «نجم» العرض المسرحي، وأن يحسب الجمهور رغم عدم ظهوره أنه هو النجم، وهذا بالطبع لا يحدث إلى على حساب المسرحية والممثلين.
Bog aan la aqoon