Soo Noqoshada Mawtka Madow
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Noocyada
الجدري هو مرض نعرفه نحن الكاتبين حق المعرفة؛ فمنذ أوائل تسعينيات القرن العشرين ونحن ندرسه دراسة دقيقة، ولا نتعامل مع الفيروس الفعلي، لكننا نعمل بطريقة آمنة في مكاتبنا حيث نستعين بالبيانات الموجودة في قوائم وفيات لندن، وسجلات الدفن الخاصة بالأبرشيات، وسجلات وزارة الصحة. لقد أمدتنا هذه المصادر الرائعة بمعلومات عن أولئك الذين لقوا حتفهم من المرض بدءا من أقدم نوبة تفش مسجلة في القرن السادس عشر حتى آخر وباء كبير اجتاح أوروبا عام 1870. لطالما نجحنا في تبسيط عرض نوبات التفشي المختلفة في المناطق الريفية والحضرية، وأوضحنا العوامل التي لعبت دورا كبيرا في إثارة الأوبئة. لقد نشرنا أبحاثنا في عدد من الدوريات العلمية، ولا بد أنه ذاع صيتنا؛ ذلك لأنه في أعقاب الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إذ بنا نفاجأ بإقبال كبير على خبراتنا، ووجدنا أنفسنا نساعد في محاولات تحليل النتائج المحتملة لإطلاق الإرهابيين للفيروس.
بطريقة ما أو بأخرى، تعلم الإنسان اليوم التعايش مع الأمراض المعدية، ولا يؤدي السعال الديكي والحصبة إلى وفيات كبيرة إلا بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في البلدان النامية. والأكثر خطورة في المنطقة الاستوائية هي الأمراض المعدية الأخرى المميتة مثل الملاريا، ومرض النوم، والبلهارسيا، والكوليرا، التي تعد من الأسباب الخطيرة للوفاة حاليا. والجميع يعرف عن جائحة فيروس نقص المناعة البشري والإيدز. يواصل مستودع أسلحتنا الذي يقاوم الأمراض المعدية النمو ونكسب بعض المعارك بجدارة، لكن الحرب مستمرة بلا شك.
يمكن استخدام تشبيه مماثل لوصف الصراع الدائر عندما يصاب الجسد البشري بالعدوى. الجراثيم أو العوامل المعدية هي طفيليات تشترك جميعها في خاصية واحدة تتمثل في أن الإنسان هو البيئة الملائمة التي يعيشون فيها؛ حيث يجدون المأوى والمأكل ويمكنهم التكاثر بغزارة. كل عدوى هي صراع بين العامل المعدي والعائل: فالطفيل يكافح من أجل البقاء والتكاثر، فيما يشن الجهاز المناعي للعائل ما يشبه دفاعا حربيا مصمما للعثور على الميكروب وتدميره والتخلص منه.
ثمة عامل آخر ذو أهمية كبرى للغاية للعوامل المعدية، ألا وهو أنه يتعين عليها الانتقال من إنسان إلى آخر؛ فهذا أمر جوهري في استراتيجية نجاة كافة الأمراض المعدية؛ لأنه في آخر المطاف سوف يتخلص العائل من العدوى أو يموت. قد يحدث انتقال للمرض على نحو مباشر من شخص إلى آخر (كما هو الحال مع الحصبة والجدري)، أو على نحو غير مباشر، حيث يتضمن الأمر حيوانا وسيطا (كما هو الحال مع البعوضة التي تنقل الملاريا). وعلى مدار آلاف السنين يحابي التطور تلك الجراثيم التي يمكنها أن تنقل العدوى بنجاح من ضحية إلى أخرى. (1) دراسة الأوبئة
علم الأوبئة فرع مهم من فروع الطب، وأحد الأمثلة على تطبيقه المعتاد هو الدراسة العالمية السنوية التي تجري لتحديد سلالة فيروس الإنفلونزا المحتمل أن يضرب الأفراد إبان الشتاء التالي؛ فما إن يتم التعرف عليها حتى يمكن إتاحة كميات كافية من اللقاح المناسب. واليوم عندما يظهر مرض جديد مثل حمى لاسا النزفية، أو إيبولا، أو سارس، أو الإيدز، يكون لدى علماء الأوبئة مجموعة من التقنيات المتاحة لتحديد طبيعة العامل المعدي. من ضمن هذه التقنيات الفحص الفوري للضحايا، وفحص عينات دم وأنسجة أخرى، واقتفاء أثر خطوط العدوى، وتحديد مسار المرض وخواصه، وتقدير درجة خطورته وقدرته على نقل العدوى. وبالتدريج من كل هذه المصادر يمكن تكوين صورة للمرض وتكملتها بتقنيات مستمدة من الإحصاءات الرياضية وبناء النماذج، وعلم الأحياء الدقيقة، وعلم الأمصال، وعلم الأحياء الجزيئية، بما فيها تحديد تسلسل الدي إن إيه.
على أن مؤرخي علم الأوبئة يجابهون مهمة أصعب بكثير، ولا سيما عند التعامل مع أوبئة أمراض معدية كانت سائدة في العصور الوسطى؛ ذلك لأن الأدلة الحاسمة قليلة للغاية غالبا، فيما خلا بعض الروايات التي لم يعرف مدى موثوقيتها، والتي صمدت رغم مرور الزمن. ثمة مثال نموذجي ألا وهو «مرض التعرق» الإنجليزي المحير والفتاك الذي انتشر في القرنين الخامس عشر والسادس عشر (سنتناوله باستفاضة في الفصل الثامن عشر). أضف إلى ذلك أنه من الصعب تمييز ما هو موثوق به عما هو مختلق في القرون المتخللة بما يتوافق مع الأفكار السائدة في ذلك الزمن. على أنه، بالرغم من تلك المشكلات، يمكننا الاعتماد على حقيقة أن كل مرض يترك بصماته. إن أي محاولة جادة لفهم العامل المعدي المسئول عن الطاعون لا بد أن تبدأ بدراسة عملية لبيولوجية الطاعون وخواصه، بقدر ما نتمكن من اكتشافها. (2) قراءة البصمات
قبل أن نتعمق أكثر في بحثنا، لا بد أن نذكر حقيقة واحدة مهمة، ألا وهي أن كل مرض معد يتميز بحقيقتين ثابتتين مهمتين: «فترة حضانة المرض»، و«فترة انتقال العدوى». فترة الحضانة هي الفترة التي تتخلل الإصابة بالمرض وظهور أولى أعراضه. تتكاثر أثناء تلك الفترة الجرثومة الغازية بسرعة داخل ضحيتها، دون أن تدري الضحية بوجودها عموما. فترة انتقال العدوى هي الفترة التي يمكن أن ينقل الفرد خلالها العدوى إلى آخرين.
يظهر في المخطط أدناه تسلسل أحداث مرض بسيط ينتقل مباشرة (مثل الحصبة أو الجدري).
يعقب الإصابة فترة كمون تتكاثر خلالها الجراثيم بغزارة إلى أن تصبح الضحية معدية. تستمر الجراثيم في التكاثر إلى أن يتوافر منها ما يكفي لظهور الأعراض، وهي تلك اللحظة التي يدرك عندها الشخص أنه أصيب ويعاني من المرض. من ثم فترة الحضانة هي صفة مميزة لكل مرض معد؛ لأنها تعتمد في المقام الأول على معدل نمو الجراثيم الغازية.
إذا كانت فترة كمون المرض أقصر من فترة حضانته، فإن المصاب سوف يكون معديا قبل ظهور الأعراض، وعليه فقد ينقل المرض إلى آخرين دون أن يدري. تلك طريقة فعالة للغاية تتيح للعامل المعدي نقل العدوى إلى عائل آخر. ربما تظل أو لا تظل الضحية معدية بعد ظهور الأعراض، على حسب المرض، وتصبح احتمالات انتقال العدوى أقل وإن ظلت العدوى ممكنة الحدوث.
Bog aan la aqoon