Soo Noqoshada Mawtka Madow
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Noocyada
وحيث إن المصادر الطبيعية لأيسلندا كانت محدودة، فإنها اضطرت إلى الاعتماد بقوة على النرويج في تشكيلة كبيرة من البضائع المستوردة، لكن عندما لقي نحو 40 بالمائة من سكان النرويج حتفهم بسبب الموت الأسود، توقفت تجارتها الخارجية على نحو شبه تام، وقطع عنها خط الإمداد. وزادت الانفجارات البركانية والزلازل والمجاعات مصاب أهل أيسلندا في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، وعاش جميع الناس تقريبا في مزارع فردية؛ فلم يكن يوجد على الأرجح أية قرى، ومن المؤكد أنه لم يكن يوجد أية مدن.
معظم ما نعرفه عن الوباء الأول، الذي ضربها في سبتمبر عام 1402، مدون فيما يعرف باسم «الحوليات الجديدة»، وهي مخطوطة قديمة. وصل القارب الذي جلب الطاعون على نحو شبه مؤكد ميناء والفيوردور في الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة، وبحلول وقت عيد الميلاد كان المرض قد بلغ المقر البابوي في سكالهولت في الجنوب وسكاجافيوردور في الشمال؛ ومن ثم يكون قد انتشر عبر مساحة 200 ميل (320 كيلومترا) في غضون 16 أسبوعا، وهو معدل انتقال سريع على نحو مذهل في ظل ظروف صعبة. تطلق الحوليات الجديدة على عام 1403 عام الوفيات الهائلة، ولم يبدأ الوباء في التقهقر حتى فصح عام 1404. من الواضح أنه حتى مناخ شتاء أيسلندا القارس البرودة لم يحل دون تقدم الوباء، وحتما انتشرت العدوى بداخل المزارع الدافئة.
وصل الطاعون كامل أيسلندا تقريبا وكان معدل الوفيات مرعبا؛ إذ لقي 60 إلى70 بالمائة من السكان حتفهم، وهلك سكان الجزيرة ودمرت بنيتها واقتصادها، وكانت الآثار بعيدة المدى هائلة. عائلات بأكملها اختفت من على وجه الأرض، واستغرق التعداد السكاني خمسمائة عام أخرى ليتعافى كسابق عهده. تغيرت أيضا أنماط الإرث التقليدية؛ فقد أصبحت الأراضي الزراعية في قبضة بضعة ملاك أثرياء، على رأسهم الكنيسة الكاثوليكية التي تبرع لها كثيرون بممتلكاتهم على أمل درء الموت الناجم عن الطاعون.
في العقود الأولى من القرن الخامس عشر، بدأ التجار الإنجليز والألمان القيام بزيارات منتظمة إلى أيسلندا، أحيانا بعشرات القوارب كل عام، فجلبوا الحبوب وخشب البناء والسكر ومنتجات أخرى يحتاجها أهل أيسلندا بشدة. أغلب الظن أن طاعون أيسلندا العظيم الثاني قد جاء عبر هذا الطريق عام 1494، حيث وصل إلى جنوب غرب أو جنوب الجزيرة . تؤكد وثائق معاصرة أن المرض كان نشطا في المناطق الغربية والشمالية الغربية في شتاء عامي 1494-1495. كتب أحد الكهنة المعروفين، ويدعى جوتسكوك جونسون ، عام 1495: «مرض وطاعون عظيم في كل أرجاء البلاد، فيما خلا ويستفيوردور (شبه جزيرة كبيرة)، فكان خراب في البلدات عموما.»
يقدم جون إجيلسون، مؤلف «حوليات البابوات» صورة مؤثرة لمعدل الوفيات:
خلال هذا الطاعون كان معدل الوفيات هائلا للغاية، فلم يذكر أو يسمع عن شيء مماثل، حيث خربت مزارع كثيرة، وفي معظمها لم ينج سوى شخصين أو ثلاثة. كان الضحايا في بعض الأحيان أطفالا بعضهم يبلغ من العمر سنة واحدة وبعضهم يمصون أثداء أمهاتهم الميتة. رأيت واحدا من هؤلاء كان يدعى تونجوفيل-مانجا. وحيثما وجد تسعة أطفال، لم يكن يتبقى منهم على قيد الحياة سوى طفلين أو ثلاثة.
أغلب الظن أن ما بين 30 إلى 50 بالمائة من السكان لقوا حتفهم خلال الطاعون الثاني.
يمكننا أن ندرك أن هذا المرض المرعب أمكنه اجتياز رحلة بحرية طويلة، وبعدئذ استشرى بوحشية مدمرة في جزيرة من الحقول الثلجية والأنهار الجليدية على حافة الدائرة القطبية الشمالية. اجتاز الطاعون شتاء قطبيا، بل ترعرع في وقت بلغ فيه متوسط درجة الحرارة في البقاع الداخلية في شمال أيسلندا ثلاث درجات مئوية تحت الصفر. شتان ما بين هذه الظروف المناخية وبين تلك التي نعم بها أهل إشبيلية وصقلية والسواحل المطلة على البحر المتوسط. علاوة على ذلك، فإن سكان أيسلندا لم يتمركزوا في بلدات أو مدن، إنما عاشوا عموما في مزارع متفرقة؛ مما أدى بالتأكيد إلى زيادة صعوبة نشر العدوى. من الواضح أن هذا المرض كان قادرا على التكيف.
فيما كنا نبحث هذين الطاعونين اللذين اجتاحا أيسلندا، عثرنا بالمصادفة على دليل مذهل سنعود إليه في وقت لاحق. تقول إحدى النظريات الحالية عن الموت الأسود إن البراغيث والفئران هي التي كانت تحمل العدوى، وقد ثبت بتأكيد دامغ أنه لم يكن يوجد أي نوع من الفئران في أيسلندا أثناء هذين الطاعونين، علاوة على أنه لم يكن يوجد براغيث فئران في أرضها الباردة القاسية . كان هذا خيطا قيما حفظناه جانبا لنستخدمه فيما بعد. (6) الصورة الكلية في أوروبا
كل شيء علمناه عن الموت الأسود تؤكده دارسة الطواعين التي ضربت أنحاء أوروبا على مدار الثلاثة القرون التي أعقبته. كان توجد دائما نفس الضراوة والفتك البشع، وظهر على الضحايا نفس الأعراض والكرب الشديد في الساعات الأخيرة، وكان انتشاره قويا داخل العائلات وفي الأجواء المزدحمة، ومرارا وتكرارا رأينا أنه انتقل مباشرة من شخص إلى آخر، كانت ردة الفعل في كل بلدة فرار الأثرياء واندلاع الاضطرابات الأهلية بين أولئك الذين بقوا، ودائما ما أدى الموت الجماعي إلى ظهور مشكلات في التخلص من الجثث. وكان يتم التعرف على المرض في الحال، ويبدو أن العامل المسبب للعدوى ظل ثابتا على نحو مذهل على مدار الثلاثمائة عام، وهي فترة عهده المرعب. وهو في هذا الصدد، كان على العكس من فيروس الإنفلونزا الذي يستطيع أن يتحور ليقدم سلالة جديدة كل عام.
Bog aan la aqoon