Soo Noqoshada Mawtka Madow
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Noocyada
منذ أن استشرى هذا الوباء الفتاك في كل الأنحاء، صارت المدن التي كانت عامرة بالسكان حتى هذه اللحظة خربة. محا الطاعون سكانها بأعداد مهولة؛ لدرجة أن أولئك الذين ظلوا على قيد الحياة، أوصدوا أبوابهم، وراقبوا في حماس لئلا يسرق أحد ممتلكات من قضوا ... وصل الوباء اللعين إلى كارينثيا، ثم أحكم قبضته على ستيريا تماما؛ لدرجة أن أهلها لما استسلموا لليأس هاموا على وجوههم كما لو كانوا قد فقدوا صوابهم.
تأكدت الطبيعة المعدية والمرعبة للطاعون من جديد:
انبعثت الروائح الوبائية من عدد كبير جدا من المرضى، فكانوا ينقلون العدوى إلى من يزورونهم أو يخدمونهم، وكثيرا ما كان يموت أحد أفراد العائلة فيلحق به كل أفرادها واحدا تلو الآخر ... ونتيجة لهذا البلاء الهائل، تركت الماشية تهيم على وجهها في الحقول دون حراس؛ لأنه لم يكن أحد ليفكر في المستقبل، وهكذا قدمت الذئاب من الجبال لتهاجمها. تحاشى الجميع بحذر بالغ الممتلكات، سواء المنقولة أو غير المنقولة التي تركها المرضى في وصيتهم كما لو كانت موبوءة هي الأخرى.
ضرب الموت الأسود فيينا في ربيع عام 1349، ويقال إنه في كل يوم من أيام الصيف الطويل كان يموت ما بين 500 إلى 600 ضحية، وفي أحد الأيام المرعبة لقي قرابة الألف شخص حتفهم. وإجمالا توفي نحو نصف السكان - على الأرجح - بسبب الوباء.
كالعادة، دفنت الجثث خارج المدينة في حفر عميقة احتوى كل منها على 6000 جثة، وبسبب رائحة الجثث وحالة الفزع الشديد التي أثارتها، منعت الكنيسة الدفن في مدافن الكنيسة، فحالما يموت أحد الأفراد يحمل جسده إلى خارج المدينة ليدفن في أحد المدافن العامة التي يطلق عليها «مدافن الله». كانت الحفر الواسعة العميقة هناك سرعان ما تمتلئ عن آخرها بالموتى. (7) أراضي الفايكينج
ثمة رأي سائد يرى أن الطاعون انتقل إلى النرويج في صيف عام 1349 على متن قارب قادم من لندن، لكن الأرجح أنه صنع تلك القفزة القصيرة عبر المضيق من كوبنهاجن، ثم سرعان ما انتشر المرض «في كل أنحاء النرويج»، ووردت أنباء عن وصوله إلى أرخانجلسك، وهو ميناء على البحر الأبيض في شمال غرب روسيا جنوب الدائرة القطبية الشمالية مباشرة. والمذهل أنه يقال إن ثلثي سكان النرويج قضوا نحبهم؛ حيث أصبحت قرى كثيرة خاوية من السكان واختفت.
يروي فيليب زيجلر في كتابه «الموت الأسود» الرواية القديمة التي تقول إنه عندما وصل الطاعون إلى برجن فر الكثير من العائلات البارزة إلى تيوسديدال (يوستيدال) على سفح الجبال، حيث شرعوا في بناء مدينة على أمل أن يكونوا في مأمن، لكن لم يقدر لهم هذا؛ ففي الغالب كان أحدهم مصابا بالفعل؛ ما أدى إلى تفشي الوباء وموت المجتمع بأكمله باستثناء فتاة واحدة. اكتشفت الفتاة بعدها بسنوات وهي لا تزال تعيش في المنطقة، إلا أنها كانت تتصرف بوحشية وتعرض عن رفقة البشر. ومع ذلك، عادت في آخر المطاف إلى المجتمع وتزوجت في سعادة، وآلت إليها جميع الأراضي التي كانت قد استحوذت عليها جماعتها، وصارت عائلتها من بين كبار ملاك الأراضي في الجوار لقرون عديدة.
عندما اكتشفنا هذه القصة أصابتنا الحيرة من السؤال الذي طرح نفسه: لماذا نجت هذه الفتاة من العدوى؟ حتما كانت هذه الفتاة تحتك احتكاكا مباشرا بعائلتها وأفراد المجتمع الآخرين وهم يموتون فردا تلو الآخر، وغالبا تعين عليها أن تدفن بعضهم. لقد رأينا هذا من قبل وتعجبنا إن كان هذا مثالا آخر على شخص كان مقاوما للمرض.
في الغالب وصل الطاعون السويد عام 1350 عن طريق العبور من الدنمارك، وأيضا عن طريق رحلة بحرية عبر بحر البلطيق من ميناء جدانسك حيث كان الوباء متفشيا. أعلن الملك ماجنوس الثاني ملك السويد أن الله ضرب العالم بعقاب عظيم في شكل موت مفاجئ، وأن معظم الناس القاطنين غرب بلاده لقوا حتفهم: «هو يخرب الآن النرويج وهولندا ويقترب من مملكتنا السويد.» وقد أمر شعبه في أيام الجمعة بالإمساك عن الطعام عدا الخبز والماء، وأن يسيروا إلى كنائسهم حفاة، وأن يطوفوا حول المدافن حاملين الرفات المقدس لتهدئة الغضب الإلهي. مرة أخرى، لم يحقق ذلك نفعا؛ فعندما وصل الوباء العاصمة، كانت الجثث مبعثرة في الشوارع من جديد، وأصبح كل من هاكون وكنوت، شقيقي الملك، من بين الضحايا.
لقد انتشر الموت الأسود في أنحاء أوروبا القارية في غضون فترة لم تتجاوز ثلاث سنوات مرعبة. لسوء حظ هؤلاء الرجال والنساء التعساء، كانت أوروبا في طريقها لأن تصبح موطن الوباء ومرتعه على مدار القرون الثلاثة التالية. ومع ذلك، كان هناك المزيد من الأراضي التي لا تزال أمامه ليقهرها.
Bog aan la aqoon