Soo Noqoshada Mawtka Madow
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Noocyada
قيل إنهم أبحروا من هناك إلى جنوة، ولدى وصولهم بدأت نوبة تفش جديدة للوباء المميت، حيث انتشر المرض سريعا، تقريبا في نفس الوقت الذي رست فيه السفينة. مرة أخرى، تشير التقارير إلى أن أفراد الأطقم نجوا من الطاعون، ومع ذلك:
ظهرت العدوى في جنوة في أبشع صورها بعد يوم أو يومين من وصول السفن، «مع أنه لم يكن أي من أولئك الموجودين على متنها يعاني من الطاعون» لأننا نعلم أنه لم تكن توجد حالات طاعون على متن السفن، مع أن هواء أو رائحة القادمين الجدد بدت كافية لتلويث هواء جنوة ونقل الموت إلى كل جزء في المدينة في غضون أيام قلائل.
من الواضح أن هذه التقارير انطوت على مبالغة كبيرة، وقد خلصنا إلى أن الوباء كان قد تفشى بالفعل بحلول الوقت الذي وصلت فيه السفن إلى مسينة. ونظرا لأن أطقم السفن كانوا يتمتعون بوافر الصحة بعد رحلة دامت على الأقل شهرا، بالإضافة إلى الرحلة الأبعد إلى جنوة، فمن المستحيل أنهم كانوا يحملون العدوى. ومجرد وصولهم في الوقت الذي أدرك فيه أهل مسينة أنهم يتعرضون لوباء كان حتما مجرد صدفة بحتة. ونخلص من هذا إلى أنه كان يوجد في الغالب ضحايا لم يتعرف عليهم ماتوا من الطاعون في مسينة على مدار بضعة أسابيع قبل وصول السفن.
في غمرة آلام الوباء الناتج، رأى أهل مسينة أن أدنى اتصال مع المصاب يضمن سرعة حدوث العدوى. كتب الراهب مايكل قائلا:
سرعان ما مقت الناس بعضهم بعضا بشدة؛ لدرجة أنه إذا ما هاجم المرض ابنا، فإن أباه ما كان ليعتني به، وإذا حدث - وبالرغم من كل المخاطر - وتجرأ ودنا منه، فإنه كان يصاب بالعدوى في الحال، ولا مفر من الموت في غضون ثلاثة أيام. لم تكن هذه نهاية المطاف؛ فكل أولئك الذين يخصونه أو يقيمون في المنزل نفسه، حتى القطط والحيوانات الداجنة الأخرى، كانوا يتبعونه إلى القبر. وفيما تزايدت أعداد الموتى في مسينة، تمنى كثيرون أن يعترفوا بخطاياهم للكهنة، وأن يحرروا وصاياهم وشهاداتهم الأخيرة، إلا أن القساوسة والمحامين والوكلاء القانونيين رفضوا الدخول إلى منازل المرضى، فإذا ما وطئ أحدهم بقدمه مثل هذا المنزل ليحرر وصية أو لأية أغراض أخرى، حكم عليه بالموت المفاجئ. الرهبان المنتمون إلى رهبنة الإخوة الأصاغر (الفرنسيسكان) والرهبان الدومنيكان وأعضاء الرتب الدينية الأخرى الذين استمعوا إلى اعترافات المحتضرين، كان يقعون فريسة للموت في الحال، بل إن البعض ظلوا في غرف المحتضرين.
وسرعان ما كانت الجثث ترقد مهملة في المنازل، فلا قس ولا ابن ولا أب ولا أي ذي صلة قرابة كان يجرؤ على أن يقترب منها، لكنهم كانوا يدفعون أجورا كبيرة للخدام لدفن الموتى. وظلت منازل المرضى مفتوحة بكل مقتنياتها الثمينة والذهب والمجوهرات؛ فمتى قرر أحد الدخول لم يكن يوجد من يمنعه؛ لأن الطاعون شن هجمة شرسة لدرجة أنه سرعان ما حدث نقص في أعداد الخدم، ولم يتبق أحد في نهاية المطاف.
قد يكون بعض أجزاء هذه الرواية مبالغا فيه، إلا أنها تنقل بصورة حية الرعب والفزع الذي انتاب كل شخص عندما ضرب هذا الطاعون الجديد أول ما ضرب. لقد رزحوا تحت وطأة ضراوة هذا المرض الغامض الذي كان يفوق تماما نطاق خبرتهم في الحياة. ثمة شيء واضح وضوح الشمس - وهو خيط مهم - ألا وهو أنهم أدركوا في الحال أن انتقال العدوى يحدث مباشرة من شخص لآخر.
مع موت المئات وحدوث العدوى المؤكدة مع أضعف احتكاك بالمرضى، تملك الذعر أهل مسينة المتبقين وفروا. لكن فيما ظنوا أنهم يتمتعون بوافر الصحة، فإنهم لم يكونوا على دراية بأنهم يحملون الطاعون معهم دون أن يدروا.
استقرت مجموعة من اللاجئين في حقول وكروم جنوبي صقلية، إلا أن كثيرين منهم خروا صرعى في الطريق ولقوا حتفهم. التمس آخرون اللجوء إلى الميناء المجاور، ويدعى كاتانيا، حيث جرت رعايتهم في المستشفى إلى أن صرعهم الموت، إلا أن أهل كاتانيا سرعان ما أدركوا الخطأ الذي وقعوا فيه؛ فما كان يجدر بهم أن يستقبلوا هذه العدوى المروعة في بلدتهم، وسرعان ما طرحت الجثث في خنادق خارج الأسوار، وجرى فرض القيود الصارمة على الهجرة إليهم.
يروي الراهب مايكل أن «أهل كاتانيا كانوا أشرارا وكان يتملكهم الخوف لدرجة أنه لم يكن أحد منهم يتعامل مع اللاجئين أو يتحدث إليهم، إنما كل كان يفر سريعا لدى اقتراب هؤلاء اللاجئين». سواء أكانت هذه علامة على «الشر» أم تصرفا بدهيا محضا، فقد سبق السيف العذل واجتاح الموت الأسود البلدة: «فقدت بلدة كاتانيا جميع قاطنيها ليطويها النسيان في نهاية المطاف.» على الأرجح كان الراهب مايكل يغالي مرة أخرى، إلا أن الصورة واضحة.
Bog aan la aqoon