Cawd Ila Bad
عود على بدء
Noocyada
وعدت أتساءل: أهذا حلم أم أنا أرى حقا؟ فإذا كان حلما فلعلنى إذا تحركت أن أستيقظ.
وأغمضت عينى وجعلت أدفع يدى ورجلى وأضرب بهما الهواء وأتقلب بعنف. ثم فتحت عينى وأجلتهما فيما حولى وأنا أتوقع أن أرى غرفتى القديمة التى أسرى بى منها، ولكنى على الرغم من الظلام لم أر أنى قد عدت إليها. فهبط قلبى وكاد اليأس يخامرنى من النجاة أو الأوبة إلى ما خلفت.
ثم ضحكت - أضحكنى أنى أتكلف هذا العبث لأستيقظ، وما كنت نائما، ولو كان شىء خليقا أن يوقظنى، لتكفلت بذلك العلقة السخنة.
وسألت نفسى: «والان ما العمل»؟ وجلست ونزعت الكمادة التى تركوها على خدى وحدثت نفسى أن الطبيب الذى عادنى وأنا غائب عن وعيى وعن هذا العالم الجديد الذى قذف بى عليه، حمار. وكيف عجز أن يتبين أن هذا الاهاب الصغير، محشو برجل كبير ولم يفطن إلى هذه الغلطة الجسيمة؟ وما قيمة ورم قليل فى الخد وأنا كلى وارم؟
وكيف غاب عنه أن جلدى مكظوط ومشدود لأن ما هو أكبر منه حشر فيه؟
وكففت عن هذا فما فيه خير. وقلت إن الطبيب لم يكن معنيا إلا بما يستحق عليه أجره. ولو كان عنى بالفحص الجدى لاطلع على معجزة ولوقع على مالم يقع عليه طبيب من قبل. ولصار بذلك علما خالد الذكر. ولكنه لايعرف إلا مافى كتبه ولايجعل باله إلى الأعراض البارزة جدا، ويدخل متأثرا بما قيل له، وقد عادنى وكل مافى رأسه أنى ضربت علقة. فلم يكلف نفسه أكثر من النظر إلى المواضع التى أصابها الضرب. ولو أهمل ما قيل له، ودقق فى الفحص لعلم أنى مدسوس فى جسم غير جسمى.
وبدا لى أن الطبيب سيضيع وقتى، إذا كنت أعود إليه كلما اعتزمت أن آتركه. وماذا كان يسعه؟ أهذا صندوق يستطيع أن ينزع مساميره ويرفع غطاءه ويخرجنى منه؟ إذن فلندعه إلى ما هو أجدى.
وخطر لى أن أجدى من ذلك أن أنهض وأحاول أن أتصل بأهلى! وقد عرفت أن ههنا آلة تليفون، وقد نام البيت، ففى وسعى أن أستخدمه، وبحسبى أن أسمع صوت زوجتى أو غيرهما ممن فى البيت، فما أطمع أن يصدقونى إذا قلت لهم إنى رجلهم! ورأيتنى وأنا أهبط على درجات السلم بحذر وعلى أطراف أصابعى أتساءل: «كيف يكون الحال إذا طلبت بيتي فأجابنى صوت كصوتى الذى أمسيت به وأصبحت بخلافه؟ أى إذا تبينت أنى لا أزال هناك وإن كنت هنا»؟
وطردت هذا الخاطر فإنه مثبط ومزعج، وذهبت أنسل من غرفة إلى أخرى وأتلفت وأستثبت قبل أن أدخل حتى اهتديت إلى التليفون، وكان فى غرفة تشبه غرفة مكتب إلا أنه لا كتب فيها ولا شىء سوى مكتب ألصق بالحاط ووضعت عليه ربطات مختلفة مزدانة ذات ألوان بهيجة، خطر لى أنها عسى أن تكون «الهدايا» التى أهديت إلى فى «عيد ميلادى» ونسوا - لا أدرى كيف؟ - أن يقدموها إلى، أو حتى أن يذكروها. ولكنى لم أعن بها وانصرفت عنها إلى التليفون، وهو فيما أعلم، أو فيما كنت أعلم، مجعول لتيسير أسباب الاتصال بين الناس، ولكنه كان فى ليلتى هذه كأنما جعل لمكيدتى وامتحان صبرى، فما رفعت السماعة عنه مرة وأدرت رقم تليفونى إلا خلتنى فى نادى سمر وقصف، وما أكثر ما سمعت مما لو قرأته فى كتاب، أو شهدته على مسرح أو فى سينما لقلت إنه شطط فى التخيل، ومبالغة فى الاغراب، وكثر المتطفلون على، وكانوا ينهروننى ويأمروننى أن «أخرج» ويوبخونني ويقولون لى إن استراق السمع عيب، كأنما كنت قد فعلت ذلك، أو تعمدته، أو كأنما هم لا يعدون أيضا متطفلين على! وشتمنى واحد بألفاط لم أكن أعلم أنها مما يجرى به اللسان حتى بين المرء ونفسه، فتعجبت للإنسان وما ينطوى عليه من جبن أصيل، وسوء أدب وقلة مروءة، وظننى بعضهم فتاة لأن صوتى قد صار كصوت البنات كما أسلفت، فراح يغازلنى ويحاول أن يتعد معى!
وكدت أخرج عن طورى، فقد أجهدنى وأتلف أعصابى هذا الخلل الذي أصاب التليفون، ورأيتنى مرات أهم بأن أصيح لأطرد هؤلاء الطفيليين الواغلين الذين لا يزالون يحشرون أنفسهم كلما طلبت الرقم كأنهم، آلوا على أنفسهم ليحولن بينى وبين الاتصال بمن أريد، وخفت عاقبة الصياح فألقيت السماعة وعدت أدراجى إلى غرفتى، لأطمئن، فقد جري بظنى أن لعل بعضهم قد زارنى ليرى كيف حالى.
Bog aan la aqoon