============================================================
فالحكم بالحق عند الغضب والرضا لا يصح إلا من عالم ريانى، أمير على نفسه، يصرفها بعقل حاضر، وقلب يقظان، ونظر إلى الله بحسن الاحتساب نقل أنهم كانوا يتوضئون عن(1) إيذاء المسلم، يقول بعضهم: لأن أتوضأ من كلمة خبيثة أحب إلى من أن أتوضأ من طعام طيب.
وقال عبد الله بن عباس، رضى الله عنهما،: الحدث حدثان: حدث من فرجك، وحدث من فيك، فلا يحل حبوة(2) الوقار والحلم إلا الغضب، ويخرج عن حد العدل الى العدوان بتجاوز الحد، فيالغضب يثور دم القلب، فإن كان الغضب على من فوقه مما يعجز عن إنفاذ الغضب فيه ذهب الدم من ظاهر الجلد واجتمع فى القلب، ويصير منه الهم، والحزن، والانكماد، ولا ينطوى الصوفى على مثل هذا؛ لأنه يرى الحوادث والأعراض من الله تعالى فلا ينكمد ولا يغتم، والصوفى صاحب الرضا، صاحب الروح والراحة. والنبى عليه الصلاة والسلام أخبر أن الهم والحزن فى الشك والسخط سئل عبد الله بن عباس، رضى الله عنهما، عن الغم والغضب قال: مخرجهما واحد، واللفظ يختلف؛ فمن نازع من يقوى عليه أظهره غضئا، ومن نازع من لا يقوى عليه كتمه حتا والحرد: غضب أيضا، ولكن يستعمل إذا قصد المغضوب عليه.
وان كان الغضب على قن يشاكله ويماثله ممن يتردد فى الانتقام منه يتردد القلب بين الانقباض والانبساط، فيتولد منه الغل والحقد، ولا يأوى مثل هذا إلى قلب الصوفى، قال تعالى: ويزعتا ما فى صدورهم من غل(3) وسلامة قلب الصوفى وحاله يقذف زيد الغل والحقد كما يقذف البحر الزبد، لما فيه من تلاطم أمواج الأنس والهيبة، وإن كان الغضب على من دونه ممن يقدر على الانتقام منه ثار دم القلب، والقلب إذ ثار دمه يحمر ويقسو، ويتصلب، وتذهب عنه الرقة والبياض، ومنه تحمر الوجنتان، لأن السدم فى القلب ثار وطلب الاستعلاء وانتفخت منه العروق، فظهر عكسه وأثره على الخد، فيتعدى الحدود حينئذ بالضرب والشتم، ولا يكون هذا فى الصوفى إلا عند هتك الحرمات والغضب (1) مكذا فى الأصل ولعلها يتوضئون عند إيذاء المسلم أو يتوضيون : ييتمدون ويمتتمون.
(2) الراد هنا ضياع الوقار ودهاب الحلم، وفى اللغة يقال اجيثى الرجل: ضم ظهره وساقيه بثوب أو غيره.
(3) آية 47 من سورة الحجر
Bogga 91