Casriga Kacaanka: Hordhac Gaaban
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
لقد ظهرت اللوثرية من عالم انتقل فيه مركز الثقل التجاري والمالي والسياسي تدريجيا باتجاه الشمال. فمع بداية القرن السادس عشر، كانت أنتويرب تتفوق على فينيسيا بصفتها العاصمة التجارية لأوروبا، كما كانت الولايات الألمانية التي شهدت ولادة اللوثرية تصوغ هويات سياسية جديدة من شأنها أن تخلق خريطة حديثة لأوروبا بنهاية القرن. وبحلول عام 1519، أضاف تشارلز الخامس من عائلة هابسبورج النمسا إلى تراث سلالته الحاكمة المكون من إسبانيا ونابولي وهولندا والعالم الجديد. وقد أطلق اختياره للقب الإمبراطور الروماني المقدس صراعا خطيرا على السلطة السياسية عبر أرجاء أوروبا، شهد منافسة تشارلز والملك فرانسيس الأول وهنري الثامن، وكذلك يوحنا الثالث ملك البرتغال والسلطان سليمان؛ على السيطرة الإقليمية والسياسية، بينما تدنت الدول المدينة في إيطاليا إلى مجرد ورقات تفاوض عاجزة. وفي ذلك الوقت أيضا، بدأت بذور التمرد القومي نشاطها في شمال أوروبا؛ وفي الشرق كان تشارلز يواجه السلطة الإمبراطورية الكاسحة لسليمان الذي اجتاح بلجراد في عام 1521، وبحلول عام 1529 كان يضرب حصارا حول فيينا. لكن ظهور اللوثرية ضاعف مصاعب تشارلز.
كان تشارلز حريصا على عدم إبعاد حلفائه الألمان بالحرمان الكنسي لأحد رهبانهم. ومع ذلك، وبعد وعد لوثر للإمبراطور نفسه الذي قال فيه: «لا أستطيع التراجع ولن أتراجع عن أي شيء؛ لأنه ليس من الآمن أو من الصواب مخالفة الضمير»؛ اتهمه تشارلز بأنه «مهرطق رديء السمعة». وقد قاومت الولايات الألمانية الدعوات الباباوية لتدمير «البروتستانتية (الاحتجاجية)» كما سميت من عام 1529 عندما «احتجت» مجموعة من الأمراء الألمان على دعوات إدانة اللوثرية. وقد تشتت انتباه تشارلز بإدارة ممتلكاته الخارجية وكذلك شبح السلطان سليمان القانوني الذي كان يدق أبواب إمبراطوريته.
بحلول عام 1529، كانت إمبراطورية سليمان القانوني تمتد عبر أرجاء شمال أفريقيا وحوض البحر المتوسط ومعظم شرق أوروبا، وكان متحالفا مع فرانسيس الأول عدو تشارلز. وفي الوقت الذي استمر فيه العثمانيون في مواجهة تشارلز كطرفين يقفان على قدم المساواة من الناحية السياسية، فإن إيمانهم أيضا صار نقطة خلاف في المناخ الديني الذي كان يزداد استقطابا في عشرينيات القرن السادس عشر. وعلى غرار فرانسيس، كان لوثر وأتباعه يعتبرون إمكانية التحالف الاستراتيجي مع العثمانيين حصنا ضد إمبراطورية هابسبورج التابعة لتشارلز . وكان لوثر قد درس القرآن وشارك في نشر العديد من النصوص الألمانية عن الإسلام. وبعد دعوات العديد من المؤلفين اللوثريين للكتيبات بضرورة «البحث عن العدو في إيطاليا وليس في الشرق!» فقد أكد بحرص أنه «لو حدث وخضنا أي حرب تركية، فعلينا أن نبدأ بأنفسنا». وكان هذا يوحي بأن التهديد العثماني إنما أرسله الرب لتعذيب الإمبراطور والبابا الكاثوليكيين. كما أدرك سليمان إمكانية استغلال العثمانيين للوثرية لإلهاء آل هابسبورج عن التركيز على التهديد العسكري من الشرق. فقد كان كل من الإسلام والبروتستانتية يدركان أنه من الناحية اللاهوتية، فإن إيمانهما بقوة الكتاب ومعارضة الوثنية جعل من التقارب السياسي إمكانية متميزة في تلك السنوات المتقلبة من منتصف القرن السادس عشر.
كان تشارلز الخامس أبعد ما يكون عن المرونة الأيديولوجية؛ فميراث أسرته الحاكمة كان قائما على طرد كل من اليهود والمغاربة من إسبانيا في عام 1492. وسرعان ما صار هو ومستشاروه مقتنعين بأن لوثر وسليمان كانا وجهين لعملة واحدة، فكلاهما «مهرطق» لا بد من إبادته. وفي عام 1523 كتب السفير البابوي في نورمبرج قائلا: «إننا منشغلون بالمفاوضات حول الحرب العامة ضد الأتراك، وحول تلك الحرب الخاصة ضد ذلك الشنيع مارتن لوثر الذي يمثل شرا أكبر على العالم المسيحي من الأتراك.» وفي عام 1530، كتب الكاردينال كامبيجيو إلى تشارلز قائلا إن: «آراء لوثر الشيطانية الهرطقية ... سوف تلقى انتقادا وعقابا وفقا للحكم والممارسة المعمول بهما في إسبانيا فيما يتعلق بالمغاربة.»
ومع تصادم الحماسة من أجل الإصلاح الديني مع المطالبات بالسلطة السياسية العالمية التي تزداد طموحا، تزايد التعصب الديني. كانت التجمعات اليهودية تعيش في كل أرجاء أوروبا لمدة قرون، رغم طردها الرسمي من إنجلترا في عام 1290 ومن إسبانيا في عام 1492. ولكن، وفي تلك الفترة من الأوضاع الدينية الاستقطابية، سرعان ما وجد اليهود أنفسهم مضطهدين من قبل الكاثوليك والبروتستانت، وواجهوا اتهامات بجرائم تراوحت ما بين تسميم الآبار إلى قتل الأطفال المسيحيين. وفي عام 1555، أصدر البابا بولس الرابع بيانا باباويا يهاجم فيه الإيمان اليهودي، مدعيا أن الكنيسة فقط «تحتمل اليهود لأنهم قد يعترفون بالعقيدة المسيحية الحقة». كان اليهود بإمكانهم التحول إلى الكاثوليكية وإلا كانوا يمنعون من حيازة الممتلكات، وكانوا يحبسون في إطار أحياء للأقليات؛ حيث كانوا يجبرون على ارتداء شارة صفراء كعلامة للخزي. ولم تكن البروتستانتية أكثر تسامحا؛ ففي عام 1514، ادعى لوثر بأن «اليهود سوف يمارسون التجديف واللعن دائما في حق الرب والملك المسيح»، ثم ادعى لاحقا: «إني لأفضل أن يكون الأتراك أعداء على أن يكون الإسبان حماة: فرغم أنهم طغاة برابرة، فإن معظم الإسبان أنصاف مغاربة وأنصاف يهود، ولا يؤمنون بأي شيء على الإطلاق.» وكان الكاثوليك الإسبان بدورهم يعتبرون البروتستانت مهرطقين مقارنة بالمسلمين واليهود. وفيما ردت الكاثوليكية على تهديد اللوثرية، وحاولت البروتستانتية تعريف نفسها بتفريق لاهوتي واضح عن الديانات الأخرى، فإن كليهما هاجم بصفة متزايدة الديانتين الكتابيتين اللتين لم تعترفا بمعتقد أن يسوع ابن الرب.
هذه الصراعات غيرت أيضا من شكل الفن في عصر النهضة. ففيما كانت الباباوية في روما تشعر بتآكل سلطتها السياسية، ردت باستعراضات فنية ومعمارية أكثر إسرافا في محاولة لإعادة التأكيد على سلطتها. وقد كان ذلك التوتر ظاهرا في فن مايكل أنجلو ورافاييل. فاللوحات الجصية لمايكل أنجلو التي تصور مشاهد من سفر التكوين التي تزخرف كنيسة سيستين - والتي كلفه البابا يوليوس الثاني بتصميمها - تقدم رؤية شاملة للخلق قائمة على تعاليم روما. كما تجسد الدينامية الجميلة للمشاهد، والعضلات القوية الانفعالية لشخصيات تلك المشاهد؛ قوة الكنيسة الرومانية وغضبها المحتمل إذا ما تعرضت للشك. وهذا التوتر ملحوظ كذلك في لوحات رافاييل الجصية التي رسمها لصالون القسطنطينية التابع للفاتيكان. فهي تروي قصة حياة الإمبراطور قسطنطين وانتقال السلطة الكنسية من الشرق (المقر الإمبراطوري لقسطنطين في القسطنطينية) إلى الغرب (القديس بطرس في روما).
أما المشهد الأخير في حلقة اللوحات الجصية، بعنوان «منحة قسطنطين»، فيوضح الإمبراطور قسطنطين وهو يسلم سلطته الدنيوية والإمبراطورية إلى البابا الذي يرتدي تاجا مثلثا يعكس قوته الروحانية والدنيوية. وبعد شهور فقط من بدء العمل في صالون قسطنطين، كتب لوثر:
بين يدي دليل لورنزو فالا على أن «منحة قسطنطين» زائفة. يا إلهي، ما هذه الظلمة والشرور في روما؟! وسوف تتعجب لحكمة الله في أن مثل هذه الأكاذيب الزائفة الصفيقة لم تعش فحسب، بل وسادت قرونا كثيرة للغاية.
طبعت أطروحة فالا عن المنحة للمرة الأولى في ألمانيا في عام 1517 كجزء من الهجوم المتزايد على الكنيسة الرومانية. وتعد اللوحات الجصية الموجودة في صالون قسطنطين - التي تصور البابوات البارزين، والطوائف المتحاربة، والمشاهد الدرامية للسلطة الباباوية - ردود أفعال عدوانية ومتكلفة ومتوترة إزاء التغيرات الدينية والسياسية. وكانت «الكلمة» المطبوعة من الشمال تنتصر على الآثار الضخمة واللوحات الجصية المتألقة في الجنوب.
الإمبراطورية ترد الهجوم
Bog aan la aqoon