ونكل بفضل وأشياعه
وصلبهم حول هذي الجسور (8) عود على بدء، مجهودات الأمين في سبيل الفوز
ولقد سبق أن قلنا لك: إنه مع ما يرمي إليه الرواه من تحقير شأن الأمين ورجالات الأمين يمكننا مع ذلك تبين حقيقة أمره مما يلاحظ في ثنايا السطور وفلتات الحوادث، وقلنا: إن تلك الفلتات قد تتيح لنا أن نؤمن بأن عند الأمين بعض رجالات أفذاذ. ونريد الآن أن نثبت لك ذلك.
وهذا الطبري يحدثنا في حوادث سنة ست وتسعين ومائة، أنه لما قوي طاهر واستعلى أمره، وهزم من هزم من قواد محمد وجيوشه، دخل عبد الملك بن صالح على محمد - وكان عبد الملك محبوسا في حبس الرشيد، فلما توفي الرشيد وأفضى الأمر إلى محمد أمر بتخلية سبيله، وذلك في ذي القعدة سنة 193، فكان عبد الملك يشكر ذلك لمحمد ويوجب به على نفسه طاعته ونصيحته - فقال: يا أمير المؤمنين، إني أرى الناس قد طمعوا فيك، وأهل العسكرين قد اعتمدوا ذلك، وقد بذلت سماحتك، فإن أتممت على أمرك أفسدتهم وأبطرتهم، وإن كففت أمرك عن العطاء والبذل أسخطتهم وأغضبتهم، وليست تملك الجنود بالإمساك، ولا تبقى بيوت الأموال على الإنفاق والسرف، ومع هذا فإن جندك قد رعبتهم الهزائم، ونهكتهم وأضعفتهم الحرب والوقائع، وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوهم، ونكولا عن لقائهم ومناهضتهم، فإن سيرتهم إلى طاهر غلب بقليل من معه كثيرهم، وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونياتهم، وأهل الشام قوم قد ضرستهم الحروب، وأدبتهم الشدائد، وجلهم منقاد إلي مسارع إلى طاعتي، فإن وجهني أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندا تعظم نكايتهم في عدوه، ويؤيد الله بهم أولياءه وأهل طاعته، فقال محمد: فإني موليك أمرهم، ومقويك بما سألت من مال وعدة، فعجل الشخوص إلى ما هنالك، فاعمل عملا يظهر أثره، وتحمد بركته برأيك ونظرك فيه، إن شاء الله. فولاه الشام والجزيرة واستحثه بالخروج استحثاثا شديدا، ووجه معه كنفا من الجند والأبناء.
حاول الأمين بعد ذلك أن ينتصر على أخيه بكل ما في مقدوره، وبعث له الجند تلو الجند، وإنا مع اعترافنا بكفاية قادته، أمثال عبد الرحمن بن جبلة الذي ندب أهل البأس والنجدة والغناء، نقرر أن طريقة الإرجاف وبث الدعاة التي اتبعها القادة المأمونيون كانت خطرة جدا.
انظر إلى من يقول لأهل حمص: يا أهل حمص، الهرب أهون من العطب، والموت أهون من الذل! إنكم بعدتم عن بلادكم، وخرجتم من أقاليمكم، ترجون الكثرة بعد القلة، والعزة بعد الذلة، ألا وفي الشر وقعتم، وإلى حومة الموت أنختم. إن المنايا في شوارب المسودة وقلانسهم، النفير النفير! قبل أن ينقطع السبيل وينزل الأمر الجليل، ويفوت المطلب ويعسر المذهب، ويبعد العمل ويقترب الأجل. وقام رجل من كلب في غرز ناقته ثم قال:
شؤبوب حرب خاب من يصلاها
قد شرعت فرسانها قناها
فأورد الله لظى لظاها
إن عمرت كلب بها لحاها
Bog aan la aqoon