153

سليمى أجمعت بينا

فأين تقولها أينا؟

فطرب حتى قام عن مجلسه ورفع صوته وقال: «أعد بالله وبحياتي!» فأعاد فقال: «أنت صاحبي فاحتكم»، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، حائط عبد الملك بن مروان وعينه الخرارة بالمدينة، قال: فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان، ثم قال: «يا ابن اللخناء! أردت أن تسمع العامة أنك أطربتني، وأني حكمتك فأقطعتك، أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحيح عقلك وفكرك لضربت الذي فيه عيناك»، ثم سكت هنيهة، قال إبراهيم: فرأيت ملك الموت قائما بيني وبينه ينتظر أمره، ثم دعا إبراهيم الحراني فقال: «خذ بيد هذا الجاهل فأدخله بيت المال؛ فليأخذ منه ما شاء»، فأخذ الحراني بيدي حتى دخل بي بيت المال، فقال: كم تأخذ؟ فقلت: مائة بدرة، فقال: دعني أؤامره، قلت: فآخذ تسعين، قال: حتى أؤامره، قلت: فثمانين، قال: لا؛ فأبى إلا أن يؤامره، فعرفت غرضه فقلت له: آخذ سبعين لي، ولك ثلاثون، قال: شأنك، قال: فانصرفت بسبعين ألفا، وانصرف ملك الموت عن الدار.

قال: وكان الرشيد في أخلاق أبي جعفر المنصور يتمثلها كلها إلا في العطايا والصلات والخلع، فإنه كان يقفو فعل أبي العباس والمهدي، ومن خبرك أنه رآه قط وهو يشرب إلا الماء فكذبه، وكان لا يحضر شربه إلا خاص جواريه، وربما طرب للغناء فتحرك حركة بين الحركتين في القلة والكثرة.

وهو من بين خلفاء بني العباس من جعل للمغنين مراتب وطبقات، على نحو ما وضعهم أردشير بن بابك وأنوشروان، فكان إبراهيم الموصلي وإسماعيل أبو القاسم بن جامع وزلزل منصور الضارب في الطبقة الأولى، وكان زلزل يضرب، ويغني هذان عليه.

والطبقة الثانية: سليم بن سلام «أبو عبيد الله الكوفي» وعمرو الغزال ومن أشبههما.

والطبقة الثالثة: أصحاب المعازف والصنج والطنابير، وعلى قدر ذلك كانت تخرج جوائزهم وصلاتهم، وكان إذا وصل واحدا من الطبقة الأولى بالمال الكثير الخطير جعل لصاحبيه اللذين معه في الطبقة نصيبا منه، وجعل للطبقتين اللتين تليانه منه أيضا نصيبا، وإذا وصل أحد من الطبقتين الأخريين بصلة لم يقبل واحد من الطبقة العليا منه درهما، ولا يجترئ أن يعرض ذلك عليه.

قال: فسأل الرشيد يوما برصوما الزامر، فقال له: يا إسحاق، ما تقول في ابن جامع؟ فحرك رأسه وقال: خمر قطربل

2

يعقل الرجل ويذهب العقل، قال: فما تقول في إبراهيم الموصلي؟ قال: بستان فيه خوخ وكمثرى وتفاح وشوك وخرنوب، قال: فما تقول في سليم بن سلام؟ فقال: ما أحسن خضابه! قال: فما تقول في عمرو الغزال؟ قال: ما أحسن بنانه! قال: وكان منصور زلزل من أحسن وأحذق من برأ الله بالجس، فكان إذا جس العود فلو سمعه الأحنف ومن تحالم في دهره كله لم يملك أن يطرب.

Bog aan la aqoon