الفصل السادس والثلاثون في ذكر خلافة الناصر 1 لدين الله
Bogga 173
90 /أواسمه احمد 2 بن الحسن المستضيىء بن يوسف المستنجد، وكان يكنى بابي العباس وأمه أم ولد اسمها زمرد 3 وكانت ولادته يوم الثلاثاء عاشر رجب، سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وبويع له يوم الاحد غرة شهر ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة وتوفي ليلة الاحد سلخ شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين 4 وستمائة، فكانت خلافته ستا 5 واربعين سنة وأحد عشر شهرا، وعمره تسع وستون سنة وشهران وعشرون يوما، وكان ابيض اللون ملحا تركي الوجه أنور الجبهة أقنى الانف خفيف العارضين أشقر اللحية دقيق المحاسن، وكان شهما شجاعا ذا فكرة وعقل رصين ومكر ودهاء، وقيل كان ظلوما غشوما ذا سيرة رديئة، يميل الى مذهب الامامية بخلاف ابائه. وفي ايامه ظهر الرفض بسبب ابن الصاحب 6 فلما هلك ابن الصاحب مات الرفض وظهرت السنة. وهو الذي زاد في دور 7 الضيافات في جانبي بغداد وضاعفها بعده الخليفة المستنصر وجدد الأول وانشأ دار المضيف للحجاج من الآفاق عند وصولهم من بلادهم 90 / ب/وبعد الحج في رجوعهم وكان المتولي أخذ البيعة له ظهير الدين أبو بكر منصور بن نصر بن العطار 8 وكان خيرا حسن السيرة جوادا أكثر العطاء، فلما تمت البيعة، صار الحاكم في الدولة استاذ الدار مجد الدين ابو الفضل بن الصاحب 9.
Bogga 174
فلما كان يوم السادس من ذي القعدة قبض على ابن العطار ثم نقل الى التاج 10، وقيد وطلبت ودائعه وامواله، وفي ليلة الثاني عشر من ذي القعدة أخرج 11 ميتا على ظهر حمال سرا فغمز به بعض 12 الناس، فثار به العامة فالقوه عن رأس الحمال 13 ومزقوا كفنه وجردوه وكشفوا سوءته وشدوا في ذكره حبلا وقيل في رجله وظلوا 14 يسحبونه في البلد ومضوا به الى المدبغة فرموه فيها ثم اخرجوه. وكانوا يضعون في يده عودا كأنه قلم وقد غمسوه في العذرة ويقولون وقع لنا يا مولانا وما يناسب هذا من الافعال الشنيعة ثم استخلصه منهم جماعة. من الاتراك فلفوه في شقة 15 ودفنوه رحمة الله عليه. هذا فعلهم به مع حسن سيرته فيهم وكفه عن اموالهم واعراضهم، ثم سيرت الرسل الى الآفاق لاخذ البيعة فتقدم شيخ الشيوخ الى البهلوان 16 صاحب همذان واصفهان والري وغيرهما فامتنع من البيعة فراجعه صدر 17 الدين واغلظ له في القول حتى انه قال لعسكره في حضرته، ليس لهذا عليكم طاعة ما لم يبايع لأمير المؤمنين بل يجب عليكم ان تخلعوه من الامارة وتقاتلوه فاضطروا الى البيعة والخطبة وارسل رضي 18 الدين بن القزويني مدرس النظامية الى الموصل لاخذ البيعة فبايع صاحبها وخطب للخليفة.
وفي هذه السنة هبت ريح سوداء شديدة مظلمة بالديار الجزرية والعراق وغيرها وعمت اكثر البلاد من الظهر الى ان مضى من الليل ربعه وبقيت الدنيا مظلمة لا يكاد الانسان ينظر 19 صاحبه قال ابن الاثير 20:
Bogga 175
وفي شهر ذي القعدة، نزل شمس الدولة توران شاه عن بعلبك وطلب عوضا عنها الاسكندرية، فاجابه اخوه الى ذلك وجعل بعلبك لعز الدين فرخشاه 24 بن اخيه، فسار اليها فرخشاه وجمع اصحابه واغار على بلاد الفرنج، حتى وصل الى قلعة صفد 25 فقتل وأسر وسبى وخرب وفعل بالفرنج أفاعيل عظيمة وسار شمس الدولة الى الاسكندرية فلم يزل بها الى ان مات في التاريخ المذكور الذي يأتي ذكره. 26
وفيها اقيمت الصلوات الخمس والجمعة في الجامع الذي بناه مجاهد الدين بظاهر الموصل وهو من احسن الجوامع.
وفي هذه السنة توفي الشيخ احمد 27 بن عبد الرحمن الصوفي صاحب رباط الزوزني 28 وكان يصوم الدهر.
Bogga 176
ومات ابو الحسين عبد 29 الحق بن الحافظ عبد الخالق بن احمد ابن عبد القارد بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي. 91 / أ/الثقة المسند المحدث، وكان ثقة دينا حافظا لكتاب الله وهو من بيت علم ورواية، توفي في جمادى الاولى من السنة المذكورة وكانت ولادته في سنة اربع وتسعين واربعمائة.
ومات ابو الحسن علي 30 بن احمد بن محمد بن عمر العلوي الحسيني الزيدي البغدادي الفقيه الامام الشافعي المفيد المحدث، وكان من الاعيان والزهاد والاخيار عالما عاملا سمع من الحافظ ابن 31 ناصر وغيره، عاش ستا واربعين سنة وتوفي في شوال من السنة المذكورة.
ومات ابو المحاسن عمر 32 بن علي بن الخضر القرشي الزبيري الدمشقي الأمام الفقيه الشافعي الحافظ المحدث سمع بالشام والعراق والحجاز ورزق الفهم عاش خمسين سنة وتوفي ببغداد في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة.
Bogga 177
ومات ابو محمد المبارك بن علي بن الحسين بن الطباخ الفقيه الامام الحنبلي البغدادي امام الحطيم 33 بمكة توفي في شوال من السنة المذكورة.
ومات ابو الفضل منوجهر 34 بن محمد بن تركانشاه 35 الرئيس الاديب الوهراني المغربي الكاتب صاحب المجون والهزل والحكايات الطويلة العجيبة وكانت وفاته في السنة المذكورة.
ومات ابو يعلي محمد 36 بن علي بن حمزة الاقساسي 37 نقيب العلويين بالكوفة.
وابو عبد الله محمد بن سديد الدولة محمد بن عبد الكريم الانباري كاتب الانشاء بعد ابيه.
وابو الفتوح نصر بن عبد الرحمن الدامغاني الفقيه الحنفي وكان فقيها مناظرا حسن المناظرة كثير العبادة وتوفي ودفن عند قبر أبي حنيفة رحمة الله عليهم اجمعين. وفي:
Bogga 178
سنة ست وسبعين وخمسمائة
Bogga 179
توفي سيف الدين غازي 38 بن قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل والديار الجزرية، وكان مرضه السل وطال مرضه ثم ادركه برسام 39 في آخر الامر فمات وعمره يومئذ نحو ثلاثين سنة، وكانت ولايته عشر سنين ونحو ثلاثة اشهر وكان حسن الصورة مليح الشباب تام القامة ابيض اللون، وكان عاقلا وقورا قليل الالتفات اذا ركب واذا جلس، عفيفا لم يذكر عنه ما ينافي العفة وكان غيورا شديد الغيرة (لا يدخل دوره غير الخدم الصغار واذا كبر احدهم منعه من الدخول، وكان) 40 لا يحب سفك الدماء ولا اخذ الاموال على شح فيه وجبن ولما اشتد مرضه أراد ان يعهد بالملك لابنه معز الدين سنجر 41 شاه وكان عمره يومئذ اثنتي عشرة سنة، فخاف على الدولة من ذلك 42 وامتنع اخوه عز الدين مسعود بن مودود من الاذعان لذلك والاجابة اليه فاشار عليه الامراء الاكابر 43 بأن يجعل الملك لاخيه عز الدين مسعود لما هو عليه من الشجاعة والعقل وقوة النفس وكبر السن، وكان يعطي ابنيه بعض البلاد، ففعل ذلك وجعل الملك في اخيه، واعطى لولده سنجر شاه وهو الاكبر جزيرة ابن عمر 44 وقلاعها، واعطى لولده كنك 45 وهو الاصغر عقر الحميدية 46.فلما توفي ملك بعده اخوه عز الدين الموصل والبلاد. وكان المدبر للدولة مجاهد الدين قايماز وهو الحاكم في الجميع فاستقرت الامور ولم يختلف اثنان. 47 وفي هذه السنة سار يوسف 48 بن عبد المؤمن الى افريقية وملك قفصة. 49
وفي هذه السنة توفي شمس الدولة تورانشاه 50 بن ايوب أخو صلاح الدين الاكبر، وكانت الاسكندرية 91 / ب/اقطاعه فتوفي بها وكان له اكثر بلاد 51 اليمن ونوابه يحملون الاموال اليه من زبيد 52 وعدن، وما بينهما من البلاد والمعاقل وكان اجود الناس واسخاهم كفا، وكان يخرج كلما يصل 53 اليه من الاموال من اليمن والاسكندرية، وحكمه نافذ في بلاد اخيه وفي امواله. فلما مات شمس الدولة وصل صلاح الدين من الشام الى مصر واستخلف بالشام ابن اخيه فرخشاه بن شاهنشاه ابن ايوب، وكان حازما عاقلا شجاعا.
وظهر على شمس الدولة من الدين مائتا الف دينار مصرية فقضاها عنه اخوه صلاح الدين.
Bogga 181
وفيها توفي الحافظ أبو طاهر أحمد 54 بن سلفة الاصفهاني بالاسكندرية وكان حافظا للحديث عالما به.
وتوفي علي بن عبد 55 الرحيم المعروف بابن العصار 56 اللغوي ببغداد وكانت وفاته في شهر المحرم من السنة المذكورة.
Bogga 182
ومات أبو المعالي عبد الله 57 بن عبد الرحمن بن احمد بن علي بن صابر الدمشقي وكان ميلاده في سنة تسع وتسعين واربعمائة وسمع من الشريف النسيب وغيره وعنه اخذ الحافظ عبد 58 الغني والشيخ الموفق 59 وطائفه. توفي في شهر رجب من السنة المذكورة.
ومات ابو الفهم عبد 60 الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن سعيد بن ابي العجايز الأزدي الدمشقي وكان من بيت الحديث، سمع من ابي طاهر وغيره وعنه روى ابن عساكر وغيره عاش ثمانين سنة، وتوفي في جمادى الاخرة من السنة المذكورة.
ومات ابو العز محمد 61 بن محمد بن مواهب الخراساني البغدادي الشاعر الاديب العروضي صاحب الادب والتصانيف وكان شاعرا فصيحا وله ديوان شعر مدح فيه الخلفاء والوزراء، توفي في رمضان من السنة المذكورة. وفي:
سنة سبع وسبعين وخمسمائة
Bogga 183
توفي الملك الصالح اسماعيل 62 بن نور الدين محمود صاحب حلب وعمره نحو تسع عشرة سنة، وكان ملكا شابا كريما عفيف اليد والفرج واللسان ملازما للدين لا يعرف له شيء مما يتعاطاه الملوك من شرب الخمر وغيره، ولما اشتد مرضه وصف له الاطباء شرب الخمر للتداوي فقال لا افعل حتى استفتي الفقهاء فاستفتى فأفتاه بعض فقهاء 63 الحنفية بجواز ذلك فقال له الملك الصالح أرأيت ان قدر الله تعالى قرب الاجل أيؤخره شربي الخمر للتداوي فقال الفقيه لا فقال: والله لا لقيت الله سبحانه وقد استعملت شيئا مما حرم علي فلم يشرب منه شيئا. فلما أيس من نفسه، أوصى بتسليم البلد الى ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي واستحلفهم له على ذلك وكانت وفاته في شهر رجب من السنة المذكورة. فلما قضى نحبه أرسل الامراء الى عز الدين مسعود يستدعونه الى حلب (فسار هو ومجاهد الدين قايماز فدخل يوم العشرين من شهر شعبان وجاءته رسل أخيه عماد 64 الدين زنكي بن مودود صاحب سنجار يطلب منه أن يعطيه حلب) 65 ويأخذ منه عوضا عنها سنجار فلم يجبه عز الدين الى ذلك فقال عماد الدين: ان سلمتم الي حلب والا سلمت أنا سنجار الى صلاح الدين فأشار جماعته من الامراء بتسليمها اليه، فأستقر الامر على تسليم حلب الى عماد الدين وأخذ سنجار عوضا عنها، فصار 66 عماد الدين الى حلب وتسلمها وسلم سنجار الى اخيه وعاد الى الموصل 67.
Bogga 184
وفي هذه السنة أرسل 92 /أ/ صاحب ماردين الى عز الدين مسعود ابن مودود ويطلب منه أن يأذن له في حصن البيرة 68 واخذها، فأذن له في ذلك فسار في عسكر الى سميساط 69 فنزل بها وسير العسكر الى البيرة فحصروها فلم يظفروا منها بطائل وطال مقامهم عليها، فلما رأى صاحب ماردين طول مقام عسكره عليها ولم يبلغوا منها غرضا أمرهم بالرحيل عنها فعادوا الى ماردين فسار صاحبها الى صلاح الدين 70.
وفي هذه السنة ظهرت 71 المنكرات ببغداد، فاقام حاجب الباب جماعه لاراقة الخمور وأخذ المفسدات. فبينا امرأة منهن في موضع علمت بمجيىء [اصحاب] 72 حاجب الباب 73، فاضطجعت وأظهرت أنها مريضة وارتفع انينها فاشتد كربها وأرادت ان تقوم فلم تقدر وجعلت تصيح الكرب الكرب حتى ماتت فكان هذا من عجيب ما يحكي!!
Bogga 185
وفيها توفي الامام العلامة القدوة كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن 74 بن محمد بن عبد الله 75 الانباري النحوي شيخ العراق صاحب التصانيف 76 المفيدة وكان زاهدا نبيلا. قيل ان المستعين أمر له بخمسمائة دينار فردها عليه وكان له دار وحانوت يكريهما كل شهر بدينار ونصف وينتفع بها 77، عاش اربعا وستين سنة وتوفي في شعبان من السنة المذكورة، وله مائة وثلاثون مصنفا.
ومات شيخ الشيوخ ابو الفتح عمر 78 بن علي بن محمد بن علي ابن حمويه الجويني 79 وعنه روى أبو المواهب وغيره، وكان الملك والملك صلاح الدين يجلانه 80 ويحترمانه توفي في رجب من السنة المذكورة وكانت ولادته في سنة ثلاث عشرة واربعمائة والله اعلم. وفي:
سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
سار صلاح الدين عن مصر الى الشام في خامس المحرم من السنة المذكورة 81، وتبعه من التجار وأهل البلد وغيرهم عالم لا يحصون فسير الضعفي 82 والاثقال مع اخيه تاج الملوك بورى 83 بن ايوب الى دمشق وسار هو في العساكر المقاتلة فشن الغارات على الفرنج في اطراف بلادهم فلم يخرج اليه منهم أحد.
في هذه السنة سير 84 صلاح الدين اخاه سيف الاسلام طغتكين 85 ابن ايوب الى اليمن وفوض اليه امرها 86.وسأذكر ذلك في موضعه من الكتاب.
Bogga 186
وفي هذه السنة توفي الامير عز الدين فرخشاه 87 بن شاهنشاه بن ايوب وكان نائبا عن عمه صلاح الدين بدمشق وكان اعتماده عليه في كثير من أموره بخلاف سائر اهله وامرائه، وكان شجاعا كريما فاضلا عالما بالادب وغيره وله شعر جيد، وكانت وفاته في جمادى الاولى من السنة المذكورة.
ومات فخر الدولة ابو 88 المظفر بن الحسن بن هبة الله بن المطلب وكان ابوه وزير الخليفة واخوه استاذ الدار فتصرف وهو في زمن الصبا 89 وبنى مدرسة 90 ورباطا ببغداد وبنى جامعا بالجانب الغربي.
وفيها توفي الامام القدوة شيخ العارفين ابو العباس احمد 91 بن علي بن احمد بن حازم بن علي بن رفاعة الرفاعي المغربي العراقي البطايحي 92، وكان فقيها شافعيا يحمل الحطب للأرامل والمساكين ويستقي لهم الماء وله صفات جيدة محمودة وكانت وفاته يوم الخميس ثامن عشر شهر جمادى الاولى من السنة المذكورة. وكانت ولادته في سنة خمسمائة.
Bogga 187
وفيها توفي الامير ابو منصور هاشم بن الحسن المستضىء ودفن عند ابيه. 92 ب ومات ابو الفضل عبد الله 93 بن احمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي الموصلي خطيب الموصل وابن خطيبها، وكان شيخا ثقة عارفا بالفقه والاصول والادب سمع من طراد 94 الزينبي وطائفة كثيرة باصبهان ونيسابور وترمذ والموصل، توفي في رمضان من السنة المذكورة، وكانت ولادته في صفر سنة ثمانين واربعمائة. وفي:
سنة تسع وسبعين وخمسمائة
Bogga 188
سار شهاب الدين الغوري صاحب غزنة 95 في جيش كثيف من خراسان وغيرها فعبر لها وحصر صاحبها خسرو شاه بن بهرامشاه بن مسعود ابن ابراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين، وضيق عليه وبذل له الامان على نفسه واهله وماله ومن الاقطاع ما اراد وأن يزوج ابنته بابن خسرو شاه فلم يجب الى ذلك وامتنع عليه، فلما طال الحصار على اهل البلد ضعفت نياتهم عن نصرة صاحبهم فخذلوه فأرسل يطلب الامان، فاجابه شهاب الدين واقام عنده شهرين مكرما. وكتب الى اخيه غياث 96 الدين يعلمه فجاءه جواب غياث الدين يأمر اخاه شهاب الدين بانقاذ خسرو شاه فجهزه شهاب الدين (وسيره الى اخيه غياث الدين في عسكر من الغورية فلما كان في بعض الطريق عدلوا به الى قلعة) 97 من قلاع 98 الغور، وكان آخر العهد به وهو آخر ملوك سبكتكين. وكان ابتداء دولتهم سنة ست وستين وثلاثمائة وانقرضت دولتهم في هذه السنة، فكانت مدة ولايتهم مايتي سنة وثلاث عشر تقريبا، وكانوا من احسن الملوك سيرة لا سيما محمود بن سبكتكين فان سيرته في العدل والجهاد يعرفها الحاضر والباد.
وفي هذه السنة كتب غياث الدين الى اخيه شهاب الدين بأمره باقامة الخطبة بالسلطنة وكان لقبه شمس الدين فتلقب من يومئذ غياث الدنيا والدين معين الاسلام قسيم أمير المؤمنين، ثم رجع شهاب الدين الى اخيه غياث الدين فسارا في العساكر الى مدينة هراة 99 وكان بها جماعة من الاتراك السجزية فاستسلم اهل البلد وطلبوا الامان فاجابهم الى ذلك وسلما البلد وتسلما عدة من مدائن خراسان ثم سارا الى مرو 100 الروذ فملكاها وسلم غياث الدين ذلك كله واحسن السيرة في اهل البلاد فرجع الى فيروزكوة 101 ورجع اخوه شهاب الدين الى غزنه.
Bogga 189
وفي هذه السنة توفي ابو عبد الله محمد 102 بن بختيار بن عبد الله المولد الشاعر البغدادي المعروف بالأبلة الشاعر وكان شاعر العراق بديع القول وله ديوان شعر مشهور توفي في جمادى الاولى من السنة المذكورة.
ومات ابو ممدود البغدادي الذهبي الزاهد وكان من اولياء الله المكاشفين.
ومات ابو عبد الرحمن محمد 103 بن محمد بن عبد الرحمن بن ابي بكر المروزي الكشهمني الامام الواعظ وعاش خمسا وثمانين سنة. توفي في مرو 104 في المحرم من السنة المذكورة.
ومات ابو المعالي مسعود 105 بن محمد بن مسعود النيسابوري الفقيه العلامة الشافعي مفتي الشافعية وكان عارفا في فنون العلم مدرسا واعظا توفي في السنة المذكورة. وكانت ولادته في سنة خمس وخمسمائة وفي:
سنة ثمانين وخمسمائة
Bogga 190
سار 106 صلاح الدين في شهر ربيع الاخر يريد الغزو فجمع عساكره من كل ناحية وممن اتاه محمد بن قرا أرسلان فسار باجمعهم الى الكرك 107 وسار ذكر ذلك في موضعه من الكتاب.
93 أ/وفي هذه السنة مات قطب الدين ايلغازي 108 بن نجم الدين البي بن تمرتاش ابن ايلغازي بن أرتق، صاحب ماردين، وملك بعده ابنه حسام الدين بولق 109 بن ارسلان وهو طفل 110 فقام بتدبير ملكه نظام الدين البقش مملوك ابيه، وكان البقش 111 دينا خيرا عادلا حسن السيرة حليما فاحسن تربية الولد وتزوج أمه، وكان الولد فيه تخبيط وهوج، فلم يمكنه نظام الدين من مملكته الا الاسم. وكان لنظام الدين مملوك اسمه لؤلؤ قد تحكم في دولته ولم يزل الأمر كذلك الى ان مات الولد وكان له اخ صغير اسمه أرتق ولقبه ناصر 112 الدين كاخيه فلم يزل الى سنة احدى وستمائة، فمرض نظام الدين البقش فاتاه ناصر 112 الدين يعوده فلما خرج من عنده وخرج معه لؤلؤ، ضربه 113 ناصر الدين بسكين معه فقتله ثم دخل الى البقش وبيده السكين فقتله ايضا وأخذ رأسيهما وخرج ومعه غلام له فالقى الرأسين الى الاجناد فاذعنوا له بالطاعة فلما تمكن اخرج من اراد وترك من اراد واستولى على قلعة ماردين واعمالها 114.
Bogga 191
وفي هذه السنة توفي صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الرحيم 115 بن شيخ الشيوخ اسماعيل بن شيخ الشيوخ ابي اسعد 116 احمد بن محمد ابن النيسابوري البغدادي، وكان قد سار من ديوان الخلافة رسولا الى صلاح الدين ومعه شهاب الدين بشير الخادم في معنى الصلح بين صلاح الدين وعز الدين صاحب الموصل فوصل الى دمشق وصلاح الدين يومئذ 117 على الكرك 118 فاقاما الى أن عاد فلم يستقر الصلح فمرضا وطلبا العود الى العراق، فأشار عليها صلاح الدين بالمقام الى ان يصطلحا فلم يفعلا وسارا في الحر فمات بشير بالسخنة 119 ومات صدر الدين بالرحبة 120
في شهر رجب من السنة المذكورة. وكان اوحد زمانه قد جمع رئاسة الدين والدنيا وكان ملجأ لكل خائف، صالحا كريما حليما وله مناقب كثيرة ولم يستعمل في مرضه دواء توكلا على الله تعالى.
Bogga 192
ومات الشيخ أبو العباس احمد 121 بن المبارك بن درك البغدادي الضرير المقرى ء. وكان شيخا صالحا ويروى انه قرأ في منزله عشرة آلاف ختمه وتوفي في جمادى الاخرة من السنة المذكورة.
ومات عبد اللطيف 122 بن محمد بن عبد اللطيف الخجندي الفقيه الشافعي، رئيس اصبهان 123 وكانت وفاته بباب همذان وقد عاد من الحج.
وفيها مات يوسف 124 بن عبد المؤمن بن علي القيسي المغربي أمير المسلمين وصاحب المغرب، وكان فاضلا عارفا في الفقه والاخبار والحديث وغير ذلك وكان له نظر في الفلسفة والطب. توفي في رجب 125 من السنة المذكورة. وسأذكره في موضعه من 126 الكتاب. وفي:
Bogga 193