Jacaylka Badawiga
العاشق البدوي
Noocyada
قالت الفراشة للطبيب: معليش.
ومضى الطبيب وحده يهتف: لا، لن أبيع.
مشى في شارع القصر، المواطنون على جانبي الطريق يتفرجون على الطبيب، خلفه آلاف مؤلفة من الشرطة. - لا، لن أبيع.
حاول الشرطيون الاقتراب منه وإنهاء الأزمة، إلا أن ضابطا وسيما صاح فيهم قائلا: البلد حرية، حرية التظاهر مكفولة للجميع، في النهاية رجل واحد لا ينفع ولا يضر.
ثم أضاف بينه وبين نفسه: بقية الشعب كله قابل وحامد وشاكر.
كان الناس ينظرون إلى الأمر في ريبة، وبين فينة وأخرى يتوقعون حدوث شيء، ضاقت جوانب الطريق بالمارة، إلى أن أخذوا يضغطون على الشرطيين، الجميع يريدون ألا تفوتهم لحظة حاسمة قد تقع الآن، سيكونون كشاهدي عيان على مظاهرة الرجل الواحد. - لا، لن أبيع.
كان يمضي مسرعا للأمام في ثقة مفرطة ودون تردد، لا يعرف أحد الشيء الذي يجبرونه على بيعه، لا يعرف الناس إلى أين هو ذاهب، حتى الأطباء أصدقاؤه، وردة حبيبته، والمرضى والمرافقون جاءوا ليروا ما سيحدث لرفيقهم، الناس قريبو عهد بعصر القمع والحسم والضرب والاختفاء النهائي والمفاجئ، ولا أحد يصدق أن السلام يعني فيما يعني السلام، وأنه قد يعني أيضا إطلاق الحريات.
وعندما وصلت الإشاعة إلى العطالة والمتسكعين في السوق العربي والسماسرة وبائعي الكتب المستعملة ، مثل كمال وداعة، وجرحى الحرب والركاب الذاهبين إلى هامش المدينة، والسوق الشعبي والمثقفين الذين في طريقهم إلى منتدى الاثنين عند إبراهيم العوام أو البشير الريح، وسائقي الحافلات والشحاذين والسكارى والمصلين الذين خرجوا من الجامع الكبير بعد أداء صلاة الظهر، وبائعي الملابس المستخدمة والصابون والمفروشات، عبد الله الدنقلاوي، وليد إسماعيل حسن وحكيم بالسلطان الشامي، وغيرهم؛ حتى هبوا معا في لحظة واحدة وهجموا هجمة رجل واحد على سوق الذهب والملبوسات الصينية الرخيصة الجاهزة، الساعات المزيفة والبنوك والمغالق الضخمة، وبعد معارك صغيرة وكبيرة هنا وهناك، كان السوق العربي قد غرق في فوضى نهائية، ثم انتقلت العدوى إلى أم درمان المحطة الوسطى عن طريق رسائل موبتل القصيرة ووسائط سوداتل والمساعدية والسواقين، وهجم الناس على السوق هجوما عنيفا، فكسروا وسرقوا وأكلوا وضربوا وشربوا وقفلوا ونشلوا وقلعوا وأخذوا، وأصبح البعض مليونيرا في لحظات، وفرغت معروضات الذهب من مصوغاتها، والصيدليات من الأدوية، والدكاكين من ... ثم انتقلت أخبار الفوضى إلى بحري، إلى عطبرة، إلى كوستي، إلى سنكات، إلى كسلا، بورتوسودان، جوبا، ياي، القدميلة، الفاشر، النهود ثم خشم القربة، عندلة، الرصيرص، سنار ود مدني ... ثم لدهشة الجميع أن سمعوا المارشات من الإذاعات التي أوقفت برامجها العادية وأعلن المذيع: بيان هام فترقبوه.
أوقف التليفزيون برامجه العادية وظهر مذيع مرتبك أعلن للجميع: بيان مهم فترقبوه.
استمع الناس في صمت ورعب إلى الموسيقى العسكرية تنشد مارشات علي دينار، ومارشات إنجليزية بصورة متواصلة.
Bog aan la aqoon