ونرثه ما يقول ويأتينا فردا .
وضع السلطان كتابه مرة أخرى وراقب والدته وهي تمارس تدريب الخط، ممسكة بالقلم بين إبهامها وسبابتها، وهي تجلس على مائدة منخفضة من خشب الجوز وكتفاها متيبستان وساقاها متقاطعتان. كانت قد بدأت دروس الخط منذ وصولها إلى بلاط والده السلطان أحمد الرابع. وبينما كانت الفتيات الأخريات يضيعن الوقت في الثرثرة ونقر أوتار العود، كانت هي تجلس وحيدة في مخدعها الخاص ترسم مجموعة لا نهائية من الدوائر والنقاط؛ آملة في تحسين مستواها. لم تكن بحاجة لأن تبهر أحدا بالطبع الآن، فهي أم السلطان، وعندما تتحدث كانت الفتيات يتفرقن كالغزلان. كان شيئا لا يصدق أن فتاة مثلها، فلاحة بسيطة من سيركاسيا، اختطفت من أهلها وأحضرت إلى القصر في سن الثانية عشرة، يمكنها أن تصعد بقوة الإرادة والجمال حتى تصبح أهم شخصية في الإمبراطورية. كانت قد تمكنت من محو آثار تربيتها الفظة تماما، ولكن عبد الحميد كانت لديه القدرة على أن يستشعر آثار أسلافه البسطاء في بعض الصفات الشخصية لوالدته؛ كغضبها على سبيل المثال. كان يدرك من وقفتها أنها ما زالت غاضبة منه، وكان يعلم بالخبرة الطويلة أن عليه التنازل إذا أراد السلام.
قال مقاطعا فترة صمت طويلة: «إذا كان ذلك يعني لك الكثير، فسوف ألغي هذا الاجتماع.»
أنهت والدته الكلمة التي كانت تكتبها قبل أن ترفع رأسها. «لا يعني ذلك الأمر لي شيئا يا جلالة السلطان، ولست أهتم بمن تدعوهم إلى القصر، ولكنني أشعر بالقلق فحسب من الانطباع الذي تخلفه اجتماعاتك لدى الآخرين ؛ ففور أن تبدأ الإشاعات من الصعب أن تتوقف، وأنت تذكر بالطبع الصعوبات التي لاقاها عمك جيهانكير.»
فهز السلطان رأسه بجدية كما هي عادته عندما يذكر اسم عمه. كان جيهانكير أكولا نهما، ومتحررا غير مقيد بالتقاليد، ومصدرا للكثير من الإشاعات الماكرة. وتوفي وهو جالس على مائدة الطعام وقد غرزت قطعة من لحم الضأن في قصبته الهوائية. «أوافقك الرأي يا أمي أن الإشاعات خطرة، ولكن مقابلة قارئ كف ليست كالتهام خروف كامل.»
فقالت الأم: «لا يقتصر الأمر على قارئ الكف، بل يوجد سحرة الثعابين والمتصوفون والكلب ذو الذيلين والببغاء المتحدث. ويردد الناس أنك تفضل مقابلة متسول عن الجلوس مع سفير جنوة.» «ليس هذا ما حدث.»
فرفعت الورقة وتفحصت مدى دقة خط يدها. «أنت تعلمين يا أمي أن هذا ليس ما حدث.»
فقالت وهي تضع القلم: «لا يهم ما الذي حدث، ولكنني أخبرك بما يقوله الناس.»
وقف عبد الحميد واقترب كي يتفحص العمل الذي فرغت منه. كانت قد كتبت البيت الشهير الساخر للمتنبي: «أرانب غير أنهم ملوك/مفتحة عيونهم نيام» بخط كوفي متقن، وكان عملها لا تشوبه شائبة كالمعتاد. «جميل جدا يا أمي.» «شكرا يا فخامة السلطان. إنك أنت المقصود.»
فارتسمت على شفتيه ابتسامة سخرية. «أرانب غير أنهم ملوك/مفتحة عيونهم نيام». لم تكن ضربة لطيفة؛ فالمتنبي كان معروفا بأبيات الشعر الماكرة التي تنطوي على إهانة، والتي لم يسلم منها أحد حتى أولياء نعمته. «لا يفوتني التلميح الذي تقصدين.»
Bog aan la aqoon