أكد صمته أن تلك الإشاعة صحيحة.
تابعت قائلة: «لا يعنيني من أين تحصل على النصيحة، فأنا أعلم أنني قد ربيتك جيدا بما يكفي كي تعلم الفرق بين النصيحة الجيدة والرديئة، ولكن ما يعنيني هو سمعتك؛ فقد بدأ الناس في القصر يتحدثون بالفعل عن الموقف بألفاظ مهينة.»
قال: «دعيهم يتحدثوا، فهم يتحدثون طوال الوقت.» «وإتاحة المباحثات الداخلية الخاصة بالقصر بين يدي تلك الفتاة، وإعطاؤك معلومات حساسة لطفلة يهودية لا نعلم عنها شيئا! في حقيقة الأمر إن هذا يقلقني أيضا.»
تقلب السلطان على ظهره. لقد انتشرت المعلومة سريعا، حتى على مستوى القصر. «من أخبرك بذلك؟» «جمال الدين باشا.» «وكيف علم هو بذلك؟» «لقد افترضت أنك أخبرته بنفسك.»
قال السلطان وهو يتقلب على جانبه: «كلا، لم أفعل.»
استأذن عبد الحميد من والدته، وأخبر الرسول الأقرب إليه أنه يرغب في تناول الإفطار في مكتبة أحمد الثالث. كان ذلك طلبا غريبا للغاية، ولكن الرسول لم يتأخر ثانية قبل أن ينحني ويهرول مسرعا كي يبلغ العاملين في المطبخ. وفي تلك الأثناء توجه السلطان نحو المكتبة التي وجدها خالية كما يأمل. كانت الحركة الوحيدة تتمثل في عمود من ذرات التراب، والصوت الوحيد صادرا عن حشرة السمك الفضي. جلس عبد الحميد إلى مكتب أمين المكتبة وانتظر، وبعد مرور بضع لحظات قدم له إفطاره هناك. وبينما كان يتناول الإفطار أخذ يتصفح سجلا ضخما أزرق اللون في منتصف المكتب؛ كان سجلا بكل الكتب التي طلبت واستعيرت من المكتبة خلال الشهر الماضي، ورأى أن معظم المباحثات والمراسلات الرسمية التي تخص علاقة الإمبراطورية مع برلين وسانت بطرسبرج قد طلبت استعارتها، ولكن لا شيء في السجل يشير إلى أن السلطان هو من طلب تلك المستندات، وهكذا فقد رتب أمين المكتبة تلك النقطة على الأقل، ولم يكشف الأمر. أغلق السلطان السجل، وعندما انتهى من احتساء الشاي دخل أمين المكتبة نفسه إلى الغرفة.
قال ووجهه شاحب كحشرة السمك الفضي: «فخامة السلطان، ما سبب تشريفكم لي بالزيارة؟» «كي أطمئن فحسب على الطلب الذي طلبته الأسبوع الماضي.»
اطمأن أمين المكتبة قليلا لهذا التفسير، ولكن ليس تماما. «كدت أنتهي من إعداده يا فخامة السلطان، وآمل أن أحضر لك النتائج غدا صباحا. ستة صناديق مليئة بالخطابات والفرمانات الرسمية.»
قال عبد الحميد وهو يلقي نظرة على السجل المغلق: «حسنا، لدي سؤال آخر.» «تفضل يا فخامة السلطان.» «ألم أخبرك بأن هذا الأمر سري؟» «بلى يا فخامة السلطان.» «لماذا إذن أيقظتني والدتي هذا الصباح وهي تخبرني أن هذه الخطة أصبحت معروفة للجميع؟»
انبطح أمين المكتبة أمام السلطان وأطباقه الخالية وكاحلاه يرتجفان. «لم أتفوه بكلمة لأحد، أقسم على ذلك يا فخامة السلطان.»
Bog aan la aqoon