Carl Buber: Boqol Sano oo Iftiin ah
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Noocyada
إنه لا أهمية من وجهة النظر العلمية للاعتقاد بأننا نتوصل إلى نظرياتنا بالقفز إلى النتائج دون مبرر أو بمجرد العثور عليها بطريق المصادفة «أو بالحدس» أو بطريق الاستقراء. فالسؤال عن كيفية حصولنا على النظريات أول الأمر هو سؤال شخصي (إن صح التعبير)، في حين أن السؤال عن كيفية اختبارنا النظريات هو وحده الذي يهتم به العلم. وطريقة الاختبار التي وصفناها هنا طريقة خصبة، إذ تفضي بنا إلى ملاحظات جديدة، وتسمح بتبادل الأخذ والرد بين النظرية والملاحظة.
كل ذلك لا يصدق فقط على العلوم الطبيعية، إذ أعتقد أنه صادق على العلوم الاجتماعية كذلك. بل إن عجزنا عن رؤية الأشياء قبل التفكير فيها يكون أوضح في العلوم الاجتماعية منه في العلوم الطبيعية. ذلك أن معظم الأشياء التي تدرسها العلوم الاجتماعية، إن لم تكن كلها، أشياء مجردة، ومن ثم مركبات نظرية.
24 (2-9) الدرس الأخير
يجب أن نشير إلى أن كثيرا من الناس قد اختلفوا مع بوبر بشدة في حكمه على العلوم الثلاثة المذكورة، رغم أنه لم ينكر أنها ذات معنى، ولم ينفها من ساحة الفكر الخصب الذي يمكن أن يطور ذات يوم إلى علم أصيل قابل للتكذيب.
ومهما يكن الحكم النهائي على الماركسية والتحليل النفسي وعلم النفس الفردي، فإن من الجدير بالملاحظة أن كلا من الفلاسفة وعامة الناس كثيرا ما يدعون أشياء تبدو لأول وهلة أنها حقائق عن العالم، إلا أنها في الواقع غير قابلة للتكذيب أو الدحض. وكثيرا ما يفتنهم ما تتمتع به آراؤهم من «احتمالية» عالية، من حيث إنها متماشية مع كل ملاحظة ممكنة، ومنسجمة مع جميع الشواهد الكائنة، ومؤيدة بأي حدث يمكن تصوره، ومحصنة من الدحض بترسانة من الفروض الاحتيالية والمناورات التعريفية. يظن هؤلاء أن عدم قابلية آرائهم للدحض هو مظهر صدق ودليل قوة، وما يدرون أن هذا بعينه هو مكمن الضعف فيها وموطن القصور. إنها آراء لا تنبؤنا عن العالم نبأ محددا، ولا تزيدنا علما بالأشياء، ولا تقول لنا ماذا كنا حريين أن نرى لو أن هذه الآراء كانت كاذبة. إنها ترجف بكل شيء عدا شيء واحد: ما عسى أن تتخذ الأشياء من مجرى. وما عسى أن يكون عليه مسار الأمور لو أنها كانت كاذبة.
قد يدعي البعض على سبيل المثال أن كل فعل إنساني هو فعل أناني، والذين يقولون بذلك لن يقبلوا عادة الأمثلة المضادة العادية مثل تطوع الناس للخدمة في المستشفيات، ولن يقبلوا أي دليل يمكن أن يكذب رأيهم في الطبيعة البشرية، وسوف يردون مثلا على أي مثال مضاد بهذه الطريقة: ما دامت فاطمة تساعد المرضى في المستشفيات بمحض إرادتها، إذن مساعدة المرضى هي بالضرورة شيء تريد أن تفعله، وفعلك لأي شيء تريد أن تفعله هو فعل أناني، وهم بذلك يقومون بمناورة تعريفية تنقذ دعواهم من الدحض، ولكنها تنال من مكانتها العلمية ومن محتواها المعلوماتي. إن الدعوى التي تسمح برفض كل الأمثلة المضادة بهذه الطريقة هي شبه دعوى أو دعوى زائفة، وإقامة مثل هذه الدعاوى، في الحقيقة، هو شيء يشبه إلى حد كبير ممارسة العلم الزائف.
25
الفصل الثاني
بوبر والتحليل النفسي1
مع بزوغ العقل، وبزوغ النظريات، تغير أسلوب الانتخاب الطبيعي، وتبدلت عدة الصراع من أجل البقاء. وصار بوسعنا أن نترك نظرياتنا تصطرع نيابة عنا، وتموت بدلا منا. [بوبر: النفس ودماغها، الفصل 6، موجز]
Bog aan la aqoon