Carl Buber: Boqol Sano oo Iftiin ah
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Noocyada
47
لقد خرج المذهب التاريخي ليبحث عن «الطريق» الذي كتب على البشرية أن تقطعه. خرج ليبحث عن «مفتاح» لغز التاريخ، خرج ليبحث عن «معنى» التاريخ. ولكن هل هناك «مفتاح» للتاريخ؟ هل للتاريخ معنى؟
يريد بوبر قبل كل شيء أن يقول إننا جميعا نلفظ كلمة «تاريخ» ونتحدث عن التاريخ كما لو كان هو ذاته شيئا لا يحتاج إلى تفسير. فالحق أن «التاريخ» بالمعنى الذي يتحدث به معظم الناس هو ببساطة لا وجود له. وهذا على الأقل واحد من الأسباب التي تدعو بوبر لأن يقول بأن ليس للتاريخ معنى. لقد اعتاد الناس الحديث عن التاريخ، وتعلموا شيئا منه في المدرسة أو الجامعة، وقرءوا كتبا حوله، ورأوا ما يعالج في هذه الكتب تحت اسم «تاريخ العالم» أو «تاريخ الجنس البشري»، ودرجوا على أن ينظروا إليه بوصفه سلسلة محددة من الوقائع، واعتقدوا أن هذه الوقائع تشكل تاريخ الجنس البشري.
غير أننا رأينا أن عالم الوقائع يعج بما لا نهاية له منها، وأن لا مناص لنا من الانتقاء. بوسعنا مثلا أن نكتب وفقا لاهتماماتنا، عن تاريخ «الفن» أو «اللغة» أو «العادات الغذائية» أو «تاريخ حمى التيفوس». يقينا ليس واحد من هذه هو تاريخ الجنس البشري (ولا كلها مجتمعة). فالذي يقر في ذهن الناس عندما يتحدثون عن تاريخ الجنس البشري هو تاريخ الإمبراطورية المصرية والبابلية والمقدونية والرومانية وما إليها وصولا إلى يومنا هذا. هم إذن يتحدثون عن «تاريخ الجنس البشري»، ولكنهم يعنون «تاريخ السلطان السياسي».
ليس هناك تاريخ للجنس البشري، بل هناك عدد لا حصر له من تواريخ الجوانب المختلفة من الحياة البشرية. وما التاريخ السياسي سوى واحد من هذه التواريخ ، غير أنه رفع ليكون هو تاريخ العالم (وإن هذه لإهانة لكل تصور سام عن الجنس البشري). وما هو بأقوم من أن تعرض تاريخ الاختلاس أو النهب أو دس السم بوصفه تاريخ الجنس البشري. ذلك أن تاريخ النفوذ السياسي ما هو إلا تاريخ الجرائم الدولية والقتل الجماعي (متضمنا حقا بعض المحاولات لكبح ذلك). ونحن نتعلم في المدارس أن هذا هو التاريخ، ونحمل على تمجيد حفنة من عتاة المجرمين بوصفهم أبطاله.
يعلم بوبر أن هذه الآراء سوف تلقى معارضة شديدة من جانب الكثيرين، بما فيهم العديد من المدافعين عن المسيحية. فقد ترسخ في التعاليم المسيحية أن الله يكشف عن نفسه في التاريخ وأن للتاريخ معنى، وأن هذا المعنى هو مشيئة الله. وهكذا وقر الاعتقاد بأن التاريخانية عنصر ضروري من عناصر الدين. غير أن بوبر يأبى الاعتراف بذلك، ويؤكد أن هذا الاعتقاد هو محض «وثنية» وخرافة، من وجهة النظر العقلانية أو الإنسانية، بل من وجهة النظر المسيحية نفسها.
ماذا وراء هذه التاريخانية الثيولوجية؟ مع هيجل تنظر هذه التاريخانية إلى التاريخ (السياسي بطبيعة الحال) بوصفه مسرحا أو بالأحرى بوصفه نوعا من المسرحية الشكسبيرية الطويلة، يرى المشاهدون فيها «الشخصيات التاريخية الكبرى» أو «البشرية» بمعناها المجرد، كأبطال للمسرحية، ثم يسألون عندئذ: «من الذي كتب هذه المسرحية؟» ويظنون أنهم يقدمون جوابا تقيا حين يقولون: «الله» ولكنهم مخطئون، وجوابهم محض تجديف، ذلك أن المسرحية لم يكتبها الله، (وهم يعرفون ذلك)، بل كتبها أساتذة التاريخ تحت إشراف الجنرالات والحكام المستبدين.
48
ليس للتاريخ معنى، هكذا يصرح بوبر. غير أن هذا التصريح لا يعني أن كل ما يمكننا أن نفعله بإزائه هو أن ننظر نظرة المشدوه إلى تاريخ النفوذ السياسي، أو أن ننظر إليه على أنه نكتة فظة. ذلك أن بوسعنا أن «نؤوله»، وأعيننا على تلك المشكلات السياسية التي ننتقي حلولها لكي نجربها في زمننا نحن. بوسعنا أن نؤول تاريخ السلطان السياسي من وجهة نظر نضالنا الحالي من أجل المجتمع المفتوح، ومن أجل حكم العقل، ومن أجل العدالة والحرية والمساواة، ومن أجل الحد من الجرائم الدولية. ليس للتاريخ غايات، ولكن بوسعنا نحن أن نفرض عليه غاياتنا. وليس للتاريخ معنى، ولكن بوسعنا نحن أن نضفي عليه المعنى.
إنها مشكلة «الطبيعة»
Bog aan la aqoon