وكم من المواطنين يستشهدون في بالوعات غير مغطاة، أو بصعق الكهرباء، أو بأسلاك عارية في الطرقات، أو بحوادث طرق غير ممهدة دون حد أدنى للأمان، أو من حرق قطارات أو تصادمها، أو من غرق عبارات في البحار، أو من غرق قوارب محملة بالهجرات غير الشرعية من الوطن العربي إلى شواطئ أوروبة؟
وكم من الفقراء يموتون جوعا وقحطا من المسلمين في السودان والصومال وتشاد ومالي وبنجلاديش! وكم من عرايا الأجساد والمتشردين بلا مأوى يموتون من البرد والعراء! وكم من القوانين تسنها الدولة ضد حقوق الإنسان وإشباع حاجاته الأساسية في الغذاء والكساء والإيواء والتعليم والصحة وحرية التعبير، بحجة الخصخصة، ورفع الدعم، وقانون العرض والطلب، ومنطق السوق، ومتطلبات الجودة والكفاءة، والحفاظ على الأمن العام حتى يستقر النظام، ويأتي المستثمرون هرولة لإنقاذ البلاد من الفقر والبطالة.
ونشأت جمعيات حقوق الإنسان كأحد تنظيمات المجتمع المدني، وظلت ضعيفة الأثر، تتبناها النخبة، وتثار حولها من الدولة وأعدائها شبهة التمويل الأجنبي، وتبني جدول الأعمال الغربي، وتواري حقوق الشعوب لصالح حقوق الإنسان، وتهميش حقوق الجماعة لصالح حقوق الأفراد.
لم تتحول حقوق الإنسان إلى ثقافة شعبية عامة؛ ربما نظرا لتهميش تراث الإنسان في موروثنا الثقافي الديني القديم؛ فقد غاب مبحث الإنسان كمفهوم مستقل في تراثنا القديم، وظهر بصورة مغلفة داخل مفاهيم دينية وفلسفية وصوفية وفقهية أخرى. الإنسان في صورة الإله في علم أصول الدين مع مشاركة في الصفات، طبقا للحديث الشهير: «إن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله.» فالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام والإرادة صفات مشتركة بين الإنسان والله. وإن أطلقت على الإنسان مجازا تطلق على الله حقيقة، وإن أطلقت على الإنسان حقيقة تطلق على الله مجازا طبقا لقياس الغائب على الشاهد.
وظهر الإنسان عند الصوفية في نظرية «الإنسان الكامل» الذي تتحد فيه أيضا صفات الله وصفات الإنسان عند ابن عربي والجيلي. وظهر الإنسان في علوم الحكمة؛ أي الفلسفة، كنفس وبدن، أو روح وجسم، بين الإلهيات والطبيعيات؛ جسم في الطبيعيات، وعقل في الإلهيات، وليس الإنسان الواحد الوجودي الموجود في الزمان والمكان؛ فالإنسان بين عالمين كما قال الكندي. كما ظهر الإنسان العامل في الفقه الذي ينفذ الأوامر ويجتنب النواهي بدافع الطاعة والإيمان والتقوى والعمل الصالح.
وقد ذكر الإنسان في القرآن الكريم خمسا وستين مرة؛ مما يدل على أنه موضوع رئيسي؛ فقد خلق الإنسان ولكنه علم البيان،
خلق الإنسان * علمه البيان (الرحمن: 3-4).
خلق هشا ضعيفا متعجلا، لا يعي الزمان، تحركه الدوافع، وتسيره الانفعالات. يطلب العون في ساعة الشدة، شاك، جاهل، مجادل، وسواس، متأمل، ناس. يترصد له عدوه الذي ينكر كرامته ويرفض أن يسجد له، ويهدد قيمته ووجوده. وهنا تبرز مسئولية الإنسان وتحمله الأمانة،
إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان (الأحزاب: 72). ومع ذلك يتحول الإنسان الهش إلى إنسان صلب، يحقق الكمال في الأرض،
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (التين: 4). يحترم والديه احترام الإنسان للإنسان،
Bog aan la aqoon