ومظاهر الاستقطاب كثيرة. أهمها الاستقطاب الديني: حجاب أم سفور؟ شريعة إلهية أم اختيار إنساني، جبر شرعي أم حرية شخصية؟ وبطبيعة الحال تنقسم الآراء بين فريقين؛ محافظين وليبراليين، تقليديين وتجديديين، سلفيين وعلمانيين. ويتحزب الناس، وينتصرون لذا الفريق أو ذلك. يزايد فريق في الدين والإيمان، ويزايد الفريق الآخر في الحداثة والعصرية. ويدخل الإحراج الشخصي والخوف الاجتماعي كحجج وبراهين؛ فلا أحد يجرؤ على عصيان الشريعة، ولا أحد يريد التنازل عن حرياته الشخصية. والله في القلب وليس وراء الأحجبة، في السرائر وليس في المظاهر. والفضيلة في السلوك وليست في الغطاء.
توحيد الأذان من مؤذن حسن الصوت من خلال أجهزة الإعلام الحديثة أم الإبقاء على تعدديته بأصوات كريهة، رجالا وأطفالا، تتداخل فيما بينها نظرا لقرب المساجد بعضها من بعض، وعلو مكبرات الصوت والمنارات .
يختلف الناس بين الإبقاء على التعدد في الأذان حتى ولو أدى ذلك إلى صراخ وصخب وصمم للآذان؛ فلكل مسجد أذانه، ولكل مؤذن صوته، وهي عامة الناس؛ وبين التوحيد المتناغم إبقاء على الغاية وهي اليقظة، مع حسن الوسيلة وهو الصوت الواحد المتناغم، وهو رأي النخبة والدولة.
استعمال مكبرات الصوت أم الصوت الطبيعي؟ يصر دعاة الإيمان على استعمال مكبرات الصوت؛ فلا فرق بين الإيمان والإعلام. ومكبرات الصوت أكثر قدرة على إيقاظ الوسنان وغفلة النائم. ولماذا لا تستعمل التكنولوجيا في الدين؟ ويتبارى الأغنياء في شراء أحدث الأجهزة الإلكترونية من مضخات الصوت من المحسنين والمتصدقين وفعلة الخير لنيل حسن الثواب في الآخرة بعد الثراء في الدنيا. ويرى دعاة الحياء والاطمئنان أن الصوت الطبيعي أقرب إلى القلب ومدعاة للخشوع من تضخيمه بالآلات الحديثة كما يتم في الأفراح والموالد وافتتاح المحلات التجارية. ويفترق الناس بين من يرى أن الإيمان إذاعة وانتشار ودعاية وإعلان وإعلام، وبين من يرى أن الإيمان أقرب إلى التقوى والقلب والصمت والاطمئنان الداخلي دون حاجة إلى صخب خارجي.
توحيد خطب المساجد يوم الجمعة أم تركها متنوعة طبقا لاختيار الأئمة؟ من يرى التوحيد هم رجال الدين الرسميون ووزراء الأوقاف والشئون الدينية، الذين يودون الإبقاء على خطب المساجد تحت رقابة الدولة حماية للبلاد من التطرف والشطط، وإدخال الدين في السياسة، واتقاء شر معارضة الحكومة بما للمساجد من أثر في تكوين أذهان العامة. وكما أفرزت المساجد فقهاء السلطان والحيض والنفاس، فإنها أيضا أفرزت فقهاء الأمة ومصالح الناس والثوار ضد الظلم والقهر والفساد والاحتلال. وينقسم الناس بين مؤيد لتوحيد الخطبة، وهم رجال الدولة مع بعض البسطاء من العامة، وبين المبقين على تعددها؛ فكل بيئة لها مصالحها، وأهل مكة أدرى بشعابها، وهي المعارضة.
كيف يحدد أول يوم العيد؛ بالعين المجردة أم بالحسابات الفلكية؟ العين المجردة يؤيدها النص القرآني
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود (البقرة: 187)، والحسابات الفلكية أدق وأضبط من العين التي تختلف قوة وضعفا، والتي قد يمنعها الغمام والضباب والأتربة من حسن الرؤية. كيف يتم تحديد أول الشهر القمري والعالم الإسلامي ممتد من أقصى مشارق الأرض ومغاربها، من المغرب إلى الصين، كما انتشر في نصف الكرة الغربي أيضا. وقد تصل فروق التوقيت إلى أربع وعشرين ساعة؛ أي إلى يوم وليلة كاملين. ويتحزب الناس إلى كل من الرأيين، ويدب الخلاف بين المسلمين، وتبادل الاتهامات بالتخلف والتقليد أو بالجري وراء العلم الحديث، وتوحيد ما لا يوحد، وإلا لتعددت وقفة عرفات.
حلال أم حرام؟ في كل خطوة وفي كل فعل وأمام كل شيء حتى فقدت الأشياء براءتها الأصلية، وفقد المسلمون الثقة الطبيعية الخيرة، وتهيبوا العالم المملوء بالشرور والمحرمات حتى استولى عليه الأعداء وسيطروا عليه. الحلال والحرام معروف في الشرع، وما سكت عنه الشرع فهو في مرتبة المباح أو العفو. فلم السؤال والتضييق عما سكت عنه الشرع وتركه فسحة ورحمة؟ هذا ما فعله بنو إسرائيل بالسؤال، فيحرمه الله تدريبا لهم، فضاقت عليهم الشريعة فلفظوها، مثل السؤال عن لون البقرة ونوعها وشكلها وحجمها
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم (المائدة: 101). ويفترق الناس فريقين؛ الأول مع التشديد مزايدة في الإيمان، والثاني مع التخفيف رحمة بالناس.
وهكذا يتم تفرع الاستقطابات الدينية، وتتحول من الاستقطاب الديني إلى الاستقطاب الاجتماعي؛ فساد الرهبان، وعلاقاتهم الجنسية الحرة من أجل إثارة الشقاق بين المسلمين والأقباط، الزواج المختلط بينهما، التنصير أو الأسلمة، تحول النصراني إلى الإسلام أو المسلم إلى النصرانية، إباحة الطلاق أو تحريمه في المسيحية حتى يختلف الناس بين الإباحة والتحريم، وتقع النزاعات الطائفية في الدول التي تخلو من النزاعات العرقية والمذهبية.
Bog aan la aqoon