اعتبر هذه الحادثة التالية الواقعية:
زوجة مصرية في نحو الخامسة والثلاثين تحب زوجها، وهو صانع متيسر يكسب، ويقضي بعض أمسيته على القهوة، وهو ثرثار لا يتحفظ، وكانت هذه الزوجة نحيفة في مجتمع يقدر الجسامة والدسامة، وكان زوجها يتحدث من وقت لآخر عن هذه المرأة السمينة وهذه الأخرى الجميلة، فكانت تغار، والغيرة خوف متردد، وكانت هذه الغيرة تبعثها على التجمل وتحملها على اتباع الوصفات البلدية كي تسمن، ولكنها لم تسمن، فصارت الغيرة خوفا وقلقا، ولم تر علاجا، فكظمت، ففي ذات مساء دخل الزوج واقترب منها؛ فإذا بها تصرخ وتستغيث بالجيران، فلما اجتمعوا زعمت أن هذا الزوج يطلب منها نجاسة ورجسا، مع أن لها منه ثلاثة أولاد.
والتفسير: أن عجزها عن أن تسمن، وخوفها من أن يتزوج زوجها امرأة أخرى سمينة، وانسداد المستقبل في وجهها، حمل عقلها الكامن على أن تلجأ إلى أكذوبة ترتاح إليها وتطمئن إليها في الدنيا، وهي أنها «ولية» أي: قديسة، لا تحتاج إلى الأزواج (= العنب حصرم)، وأنها مستغنية عن زوجها الذي يطلب منها رجسا، ولبست بعد ذلك ثياب الأولياء والقديسين، ثم انتهت إلى المستشفى؛ أي إن نفسها القلقة احتالت بأسطورة كي تصل إلى السلامة والطمأنينة اللتين لم تجدهما في الحقيقة الواقعة.
إذا كانت الغريزة الأصلية هي الخوف، فإن لها ناحية إيجابية في الإنسان، هي أننا في مجتمعنا الحافل بالمخاوف والقلاقل ننشد القوة والوجاهة، فنجمع المال والرتب العالية، وأحيانا نستميت في طلب القوة ونموت؛ لأننا ننسى - مثلا - أن المال وسيلة للطمأنينة الاقتصادية فقط، فنجهد في جمعه حتى نمرض، أو نصل إلى الطمأنينة المنشودة منه ثم لا نكف عن جمعه، وأحيانا نبذل هذا المال للحصول على وجاهة زائفة.
وأحيانا تسيطر علينا عاطفة القوة أو الوجاهة أو الكرامة الاجتماعية؛ بحيث تنسينا حتى شهواتنا البدائية، انظر إلى الطفل حين نشتري له الشكولاتة؛ فإنه يحبس شهوته إليها ولعابه الجاري، ويحتفظ بها حتى يصل إلى البيت فيعرضها في كبرياء على إخوته ثم يأكلها، وكلنا تقريبا هذا الطفل في مجتمعنا، نحب أن نقتني كي نفاخر ونباهي قبل أن نستهلك ما اقتنينا، أو قد لا نستهلكه بتاتا؛ لأن لذة المفاخرة والمباهاة تبعد عنا الخوف وتشعرنا بالقوة، وحسبنا هذا.
الجسم يؤثر في العقل
السيكلوجية هي علم السلوك البشري؛ أي: كيف يسلك الإنسان في مجتمعاته المختلفة؟ وكيف ينبعث إلى النشاط؟ وماذا يجعله يفتر في عمله؟ ولماذا يحب أو يكره؟ وكيف يكون إنسانا سويا؟ ولماذا يشذ أحيانا؟ وما هي بواعث الإجرام أو الجنون؟ ثم ما هو الذكاء والعبقرية أو البلاهة والغفلة؟ وكيف يتصرف التصرف الحسن أو التصرف السيئ؟ وكيف يتكون عقله وينضج؟ وكيف تتكون نفسه وتنضج؟ وكيف تتكون شخصيته وتنضج؟
وشخصية الإنسان ونفسه وعقله هي ثمرة وراثته البيولوجية؛ أي: ما ورثه منذ ملايين السنين، كما هي ثمرة بيئته الاجتماعية التي نشأ وتعلم وتعود فيها عاداته واتخذ قيمها المختلفة.
وهذا الموروث البيولوجي قلما نستطيع تغييره؛ فالمخ الصغير الذي تقل تلافيفه لا نستطيع تغييره إلى مخ كبير كثير التلافيف، والشخصية الانطوائية نعجز عن إحالتها إلى شخصية انبساطية، وبنية الجسمية بأعضائها الداخلية تؤثر في المخ وتؤدي إلى ميزات أو مساوئ نفسية، فمن المعروف - مثلا - أن كلا منا يحمل عناصر نسوية، يدل على هذا الثديان في صدره ووجود رحم صغير في أسفل بطنه، وليس هذا ضرر، ولكن ماذا يحدث إذا زادت هذه العناصر على المألوف؟ وكذلك الشأن في كل امرأة؛ إذ هي تحمل عناصر رجلية إذا زادت فيها اختلت شخصيتها، وعندما ينقطع الحيض نهائيا حوالي سن 48 أو 49 تبدو هذه العناصر وتزداد وضوحا بمرور السنين، حتى إن بعض النساء يحتجن في سنة السبعين أو الثمانين إلى حلق شواربهن كالرجال.
وتأثير الجسم في العقل يعود إلى هورمونات الغدد الصماء؛ أي: إفرازات تلك الأجسام الصغيرة التي تفرز سوائلها في الدم مباشرة، وليست لها قنوات تحمل هذه السوائل، وأهم هذه الغدد التي تقرر للرجل رجولته هي الخصيتان؛ فإنه إلى جنب إفرازهما القنوي (أي: المني للتناسل) نجد إفرازا آخر يدخل الدم مباشرة، وهو الذي يكون مظاهر رجولتنا؛ مثل اللحية والشوارب وغلظ الصوت ونحافة الأليتين، ثم مع هذا حيوية الرجل وخفته وإقدامه، ومثل هذا يقال بشأن المبيضين في المرأة في إكسابها صفات النساء العضوية والمزاجية، واذكر كيف أن الخصيان الذين تقطع خصاهم يتخذون هيئة النساء، وكيف أن المرأة عقب قطع الحيض بعد الخمسين تعود فتتخذ شيئا من هيئة الرجال ومزاجهم، وهناك غدد أخرى مثل الغدة الدرقية في العنق، وهما اثنتان إلى يمين قصبة العنق ويسارها، ونقص الإفراز منهما يؤدي إلى تعطل النمو أو وقفه وإلى خمول الذهن أو الغفلة، وهما يزودان الجسم بقوة المثابرة على الجهد.
Bog aan la aqoon