ما هو مركب النقص المختفي عندي، والذي ربما كان يوجه سلوكي من حيث لا أدري؟
وبعد أن أعرف كل هذا وانتهي من التحليل يجب أن أعود إلى التأليف؛ أي: يجب أن أؤلف شخصيتي من جديد فأضع برنامجا لترقية نفسي شهرا بعد شهر وعاما بعد آخر، وعلي أيضا أن أعتمد على الوجدان دون العاطفة، وأن أداوم التساؤل عند كل مشكلة، هل أنا وجداني أم عاطفي؟ فإذا لم ينجح كل هذا فعلي أن ألجأ إلى سيكلوجي مؤتمن ماهر.
وعلى القارئ أن يذكر أن المسيحي الذي يعترف في الكنيسة على الكاهن يجد الراحة عقب الاعتراف؛ لأن هذا الاعتراف قد أفرج عن كظم لم يكن سعيدا به، كأن يكون قد ارتكب خطيئة عظمت وطأتها على ضميره فلما اعترف انفرج الكظم، وعلى هذا الأساس نجد أن المريض النفسي حين يقصد إلى الطبيب السيكلوجي يقعد إليه في استرخاء ويبوح بكل همومه، ويقول ما شاء من القصص القديمة المختبئة، وهو يرتاح بهذا البوح.
وإذا لم يجد هذا المريض، السيكلوجي الذي يستطيع أن يبوح له بكظومه، فعليه أن يكتب تاريخ آلامه ويعدد الحوادث التي يعتقد أنها كانت سببا لمرضه ويشرحها، وهو في هذا العمل يجد الراحة؛ لأنه وهو يكتب يعترف، ثم وهو يعترف تنفرج كظومه، والكتابة هنا تنقل الكظم من ميدان العاطفة الغامضة إلى ميدان المنطق الواضح فتتفكك الكظوم.
التأليف أهم من التحليل
شخصية فرويد هي أضخم شخصية في السيكلوجية العصرية؛ إذ هو كولمبس الذي كشف الأرض المجهولة وخططها ورسم معالمها، وهناك عشرات من الكلمات التي تجري على ألسنة السيكلوجيين تعزى إليه في معانيها ومبانيها، ولكن؛ لأن هذه الشخصية ضخمة؛ فإنها تلقي ظلها على كثير من حقائق هذا العلم الجديد وتحول دون النور الذي يزيد الفهم والمعرفة، ذلك أن كثيرا من الباحثين في هذا العلم يحسون رهبة عند مجرد ذكر اسم فرويد، ويسلمون بكل ما قال، كما لو كانوا يسلمون بعقيدة موروثة وليس برأي يبحث ويناقش، فمن ذلك عقيدة مركب أوديب، ومن ذلك أيضا هذا الاهتمام الكلي بالتحليل النفسي دون التأليف النفسي.
وليس هناك من يشك في قيمة التحليل وضرورته كي نعرف الكظوم والتوترات والمخاوف المختبئة في النفس حين تلتوي وتتسلل في طرق مموجة إلى الخروج والبروز فتشوه الشخصية وتؤذيها، والفضل في كل ذلك لفرويد، ولكن فرويد في تأكيده للضرر الفادح الذي يحدث من الكظم قد حملنا على أن نكبر من شأن الحرية والانطلاق بالاستسلام للرغبات والشهوات والنزوات، وهذا الاتجاه يؤدي في النهاية إلى إيثار الفوضى على النظام، والنزوة الطارئة على التعقل البصير، والاستهتار على التحفظ. وبدهي أن فرويد لم يقصد إلى هذا، ولكن تأكيده لضرر الكظم كثيرا ما يحمل قارئه على هذا الاستنتاج.
ولكن الكظم، في حدود معقولة، مفيد؛ لأنه بخار محبوس إذا أحسن صاحبه التصرف به استطاع توجيهه للعمل النافع على أنه عاطفة تحرك وتدفع وتنشط، وليست المطامع والآمال سوى كظوم يبعثها فينا الوسط الذي لا نرتضيه.
وعندما نتأمل التحليل النفسي نجد أن قيمته كبيرة للباحث الذي يقوم بالتحليل؛ ذلك لأنه يزداد توسعا وفهما كلما تعمق في التحليل، ولكن قيمته للمريض؛ أي: للكاظم المتوتر الملتوي الشاذ، ليست كبيرة، إلا إذا كان هو أيضا قد استحال إلى هاو للسيكلوجية مشغوف بالبحث، ذلك أن المريض يحتاج إلى التأليف أكثر مما يحتاج إلى التحليل، بل تستطيع أحيانا أن نهمل التحليل ونعمد مباشرة إلى التأليف.
اعتبر رجلا يدمن التدخين أو الشراب، أو هو قد انحرف في سلوكه الجنسي، أو قد وقع في أسطورة اخترعتها كامنته كي يكافح بها الواقع ويلغيه، ففي كل هذه الأحوال نحسن كثيرا إذا أخذنا من التحليل بأقله ومن التأليف بأكثره؛ أي: بدلا من أن ننظر للعواطف باعتبارها مريضة معوجة لحادث سابق إذا نحن كشفنا عنه للمريض تنبه إلى وجدان جديد وتخلص من اعوجاجه، وبدلا من هذا التحليل المضني ، نعمد مباشرة إلى هذه العاطفة المعوجة نقومها؛ أي: إننا ننظر إلى الاعوجاج النفسي باعتباره عادة عاطفية سيئة أو اتجاه نفسي غير سليم، ونقنع بأن نغير العادة السيئة بعادة حسنة؛ أي: نطلب من المريض الشاذ؛ أي: المعوج أن يتغير في أسلوبه النفسي.
Bog aan la aqoon