وليست وحدته المقياسية واحدة بالطبع، ولكنه قابل لأي قسمة بأي وحدة. أما غير المتجانس، كالحيوان مثلا، فإنه ينقسم إلى أجزاء محدودة العدد بالطبع هي وظائفه وأعضاؤه، ولما كانت هذه الأجزاء متباينة الماهية فإنها لا تقدر ولا تؤلف عددا إلا إذا أدرجت تحت أقسام أعم، كما أن ثلاث تفاحات وخمس برتقالات لا تجمع إلا إذا أدرجت تحت معنى شامل لها كمعنى الثمرة أو الفاكهة. على أن غير المتجانس متحقق في مادة متصلة، فمن الممكن غض النظر عن ماهيته واعتبار مادته فقط، وحينئذ يعود حكمه حكم المتصل ويمكن قسمته مثله، فيقطع النبات والحيوان اتفاقا بدل أن يشرح تشريحا علميا.
وتتبين القضية الثانية بالنظر في الكثرة المتباينة الآحاد العادمة وحدة شاملة لها؛ فإن مثل هذه الكثرة لا تقدر ولا تجمع في عدد: وهذا شأن الأشياء المجموعة بالتشكيك. فلا يقال مثلا: إن الله والإنسان اثنان، أو إن الفرس والفارس اثنان؛ إذ ليس الوجود متواطئا متساويا حتى يصلح أساسا لوحدة تامة تتكرر بعينها. فالجمع ههنا لا يعني إلا أنه يوجد مرتين موجود غير منقسم في ذاته منقسم من غيره، دون التعبير بحال عن مساواة يرجعان إليها. وإذا عددنا آحاد مثل هذه الكثرة المتباينة نتج لنا عدد زائف من حيث إن واحدا من آحادها لا يمكن أن يعتبر وحدة تقديرية ومقياسا مشتركا.
والواحد الذي هو مبدأ العدد، أي الذي يتألف العدد بتكراره، ولا يطلق بدقيق الإطلاق إلا على الماديات المتجانسات، فهو يزيد شيئا ثبوتيا على جوهر الموجود الذي يطلق عليه، كما يزيد الأبيض على الإنسان؛ فإن وصف الشيء بأنه واحد من كثرة، أو دخول الشيء في عدد، لهو أمر عارض له من جانب العقل الذي يعد. ويلوح أن ابن سينا قد خلط بينهما، فاعتقد أن الواحد المساوق للموجود يزيد شيئا ثبوتيا على جوهر الموجود كالواحد الذي هو مبدأ العدد. ومن أقواله بهذا المعنى أن الواحد «شرط زائد على الذات» وأن «طبيعة الواحد (هي) من الأعراض اللازمة للأشياء. وليس الواحد مقوما لماهية شيء من الأشياء، بل تكون الماهية شيئا، إما إنسانا وإما فرسا أو عقلا (مفارقا) أو نفسا، ثم يكون ذلك موصوفا بأنه واحد وموجود»، وأن «الواحدية ليست ذات شيء ولا مقومة لذاته، بل صفة لازمة لذاته»، وأن «الواحدية من اللزوم».
10
وقد غلطه ابن رشد في ذلك؛ قال: «ظن ابن سينا أن الواحد بالعدد (أي المساوق للموجود) إنما يدل على عرض في الجوهر، وأنه ليس يمكن أن يدل على جوهر شيء»،
11
على حين أن «جوهر كل واحد من الأشياء هو واحد بالذات لا لأمر زائد عليه»،
12
وأن «الواحدة ليست تفهم في الموجود معنى زائدا على ذاته خارج النفس في الوجود، مثل ما يفهم من قولنا موجود أبيض، وإنما يفهم منه حالة عدمية وهي عدم الانقسام».
13
Bog aan la aqoon