بلغ الضمير، وكان خير مؤذن
بالله في ملكوته لحياتي
وهذا الإحساس هو من دوافع شغفي بعلم الفلك، وترددي على المراصد؛ لأني أجد في ذلك عبادة صوفية، واستغراقا في معاني الألوهة. ولولا هذا الإحساس لما تأملت وفسرت؛ فالشعور الديني ليس عقليا فحسب، بل لا بد له من استعداد وجداني. وهذا التأمل الصوفي هو ما نعته الغزالي بالنظر إلى وجه الله. •••
إن فلسفة عقيدة الألوهة في نظري مردها إلى نتيجة إحساس الجزء بالكل، وسامحوني على لغتي الصوفية، فلن أجد غيرها مسعفا في هذا المقام.
وإذا توسعنا في هذه النظرة فيخيل إلي أن تمجيد الأبطال متفرع عنها، أو هو صورة منها؛ لأن البطولة شمول وعظمة، بحيث إن البطل في نظر مقدريه - إن لم أقل عابديه - هو رمز للقدرة الغلابة الفائقة. وبعبارة أخرى: إنه رمز الشمول؛ ولذلك نجد تمجيد الأبطال الوطنيين والدينيين وغيرهم يكاد يبلغ - عن غير وعي - مرتبة التأليه، خصوصا إذا كان البطل ميتا، حتى ربط بعض الباحثين المتعمقين مثل: جرانت ألن
Grant Allen
والأستاذ هالدين
نشوء الآلهة عند الوثنيين، وظهور القديسين عند غيرهم بعبادة الموتى. ومن العجيب أن النفس البشرية شديدة الميل إلى تقديس الموتى، والانحراف بذلك انحرافا عظيما عن جادة التوحيد والمنطق السليم. وحتى في ضوء الدين الإسلامي الذي يعد المثل الأعلى في صراحة التوحيد، نزع الدهماء من المسلمين - بالرغم من أصوله الصريحة - إلى تمجيد الأولياء تمجيدا يخالف روح الإسلام؛ مما ألجأ المصلحين أمثال: محمد عبده ورشيد رضا والمراغي وسواهم إلى محاربة هذه البدع التي تكاد تؤدي إلى الإشراك بالله.
من هذا أنتقل إلى التنبيه إلى أن عقيدة الألوهة من الناحية الفلسفية العلمية، هي ظاهرة سيكولوجية، هي إحساس الجزء بالكل. وهي تتدرج تحت أسماء مختلفة من شعور الإنسان نحو وطنه، ونحو زعيمه، ونحو الإنسانية مثلا، إلى شعوره نحو الكون بأسره، ونحو الألوهة الشاملة والمطلق.
وإذن، فعقيدة الألوهة عند معتنقيها ليست وهما، حتى ولو كان تفسيرها عند بعضهم وهما. فالإحساس بالألوهة قد يكون واحدا - وإن تدرج - عند أصحاب الديانات المختلفة من متمدينين وهمجيين؛ لأنها ظاهرة سيكولوجية متماثلة المنشأ، ولكن تفسيرها يختلف بينهم جد الاختلاف، ولو كانوا جميعا مخلصين في إيمانهم.
Bog aan la aqoon