وبما أن المؤسس جعل عشر عشائر في كل قبيلة فإن جميع الشعب الروماني، المحاط بأسوار المدينة حينئذ، كان مؤلفا من ثلاثين عشيرة، فكان لكل واحد منها معابدها وآلهتها وموظفوها وكهنتها وأعيادها المسماة كنبيتالية والمشابهة للبغانالية التي اتفقت للقبائل الريفية فيما بعد.
ولما قام سرفيوس بتقسيمه الجديد، ولم يمكن تقسيم الثلاثين عشيرة بين قبائله الأربع على التساوي، لم يرد مسها قط، فأصبحت العشائر المستقلة عن القبائل تقسيما آخر لسكان رومة، بيد أنه لم يكن موضع بحث عن العشائر قط في القبائل الريفية ولا في الشعب الذي كانت تتألف منه، وذلك بما أن القبائل صارت نظاما مدنيا صرفا، وبما أنه أدخل نظام جديد لجمع الكتائب وجدت فرق رومولوس العسكرية أمرا لا طائل فيه، وهكذا كان يوجد كثير ممن ليسوا أعضاء عشيرة وإن سجل كل مواطن في قبيلة.
وكذلك قام سرفيوس بتقسيم ثالث لا صلة بينه وبين التقسيمين السابقين مطلقا، فأصبح بنتائجه أهم من الجميع؛ فقد وزع جميع الشعب الروماني بين ست طبقات لم يفرق فيها بالمكان ولا بالإنسان، بل بالمال، فملئت الطبقات الأولى بالأغنياء وملئت الطبقات الأخيرة بالفقراء وملئت الطبقات المتوسطة بمن يتمتعون بثروة معتدلة، وقد قسمت هذه الطبقات الست إلى 193 هيئة أخرى مسماة مئويات، وقد بلغت هذه الهيئات من التوزيع ما احتوت الطبقة الأولى وحدها معه أكثر من نصفها وما اشتملت الأخيرة معه على واحدة منها فقط، وهكذا كان أقل الطبقات عددا في الرجال أكثرها مئويات، وهكذا لم تعد الطبقة الأخيرة بأكملها غير شعبة مع احتوائها وحدها أكثر من نصف سكان رومة.
وأريد أن يكون الشعب أقل نفوذا إلى نتائج هذا الشكل الأخير، فحاول سرفيوس منحه مسحة عسكرية فأدخل إلى الطبقة الثانية مئويتين من السلاحيين، وأدخل إلى الطبقة الرابعة مئويتين من صانعي آلات الحرب، وإذا عدوت الطبقة الأخيرة وجدته في كل طبقة قد ماز الشباب من الشيب، أي ماز من هم ملزمون بحمل السلاح ممن تعفيهم القوانين منه بسبب السن، وكان هذا التمييز هو الذي يقتضي في الغالب تكرارا للإحصاء أو التعداد أكثر مما كان يقتضيه تمييز الثراء، وأخيرا أراد انعقاد المجلس في ميدان مارس، وأن يأتيه جميع من هم في سن الخدمة مع أسلحتهم.
والسبب في عدم اتباعه في الطبقة الأخيرة ذلك التفريق بين الشبان والشيب هو أن الرعاع المؤلفة منهم كانوا لا يمنحون شرف حمل السلاح في سبيل الوطن، فكان لا بد للرجل من دار نيلا لحق الدفاع عنه، ولم يوجد، على ما يحتمل، من زمر الصعاليك هذه التي لا يحصيها عد، والتي تزدهي بها جيوش الملوك في الوقت الحاضر، واحدة كانت لا تطرد مع الازدراء من فوج روماني حين كان الجنود حماة الحرية.
وفي الطبقة الأخيرة أيضا ميز على الخصوص بين الصعاليك ومن كانوا يدعون
capite censi ، فالأولون، الذين لم يدفعوا تماما، كانوا يمنحون الدولة مواطنين على الأقل، حتى إنهم كانوا يمنحون أحيانا جنودا عند الحاجة الملحة، وأما الذين كانوا يدفعون فلا يمكن تعدادهم بغير رءوسهم فقد كانوا يعدون شيئا غير مذكور، وكان ماريوس أول من تفضل بقبولهم في الجندية.
وإني، من غير أن أقرر هنا: هل كان هذا التعداد الثالث حسنا أو سيئا في ذاته، أعتقد أنه يمكنني أن أؤكد أنه لا يوجد غير أخلاق الرومان الأولين البسيطة وخلوهم من الغرض وميلهم إلى الزراعة وازدرائهم للتجارة ورغبتهم في الكسب ما يستطيع أن يجعله أمرا يسيرا، وأين هو الشعب الحديث الذي يستطيع ما عنده من الجشع الجامح والروح الجزوع والمكيدة والانتقالات الدائمة وتحولات الثروة المستمرة أن يدع مثل هذا النظام يدوم عشرين عاما من غير قلب جميع الدولة رأسا على عقب؟ حتى إنه يجب أن يلاحظ أن الأخلاق والرقابة إذ كانتا أقوى من هذا النظام فإنهما أصلحتا معايبه في رومة وجعلتا الغني يرى نفسه مبعدا في طبقة الفقراء عند إفراطه في عرض غناه.
ويمكن من جميع ما تقدم أن يدرك بسهولة ما السبب في أنه لم يذكر من الطبقات غير خمس تقريبا مع أنه كان يوجد ست طبقات بالحقيقة، فبما أن الطبقة السادسة لم تقدم جنودا إلى الجيش، ولم تصوت في ميدان مارس،
5
Bog aan la aqoon