4
سنة 1794) ينقل رفاته باحتفال عظيم إلى مدفن العظماء بباريس (البانتيون) وفق مرسوم أصدره مجلس العهد، وذلك مع بقاء ضريحه قائما في تلك الجزيرة حيث مكث مدفونا ستة عشر عاما. •••
كان روسو سيئ الحظ فعاش شريدا بائسا، ولعله كان لهذا أثر في عبقريته ووضع مبادئه، وعاش روسو في بيئة فاسدة قاسية، وكان لهذا عمل عظيم في نضج آرائه والكشف عن كثير مما يحيط به من المفاسد والشرور، والجهر بآرائه في الاجتماع والسياسة والاقتصاد والتربية.
وكان روسو عليلا فآثر الحياة الهادئة على غيرها، فكان هذا عاملا في عمق تفكيره، وحمل روسو على العقل، ورفع من شأن الشعور؛ فقال: إن العقل إذا ما استطاع أن ينقض العقيدة بالله ، وأن ينكر الخلود؛ فإن الشعور يؤيدهما، فلماذا لا نصدق الشعور بدلا من الشك الجامح الذي يؤدي إليه العقل؟ وقد أراد «كنت» أن ينقذ الدين من العقل كذلك، فقامت رسالته على ذلك أيضا.
ويعد روسو من أعظم من أنجبتهم فرنسة من الكتاب، غير أن آراءه تقبل أو ترفض على حسب الأمزجة، وهو يحب أو يكره ككاتب أوحى بالثورة الفرنسية قبل كل شيء.
والآن يوجد لكتبه معنيان، فبها ينفذ إلى الذهنية التي كانت سائدة للقرن الثامن عشر، وهي ذات أثر بالغ في حوادث أوربة التي وقعت فيما بعد، وبهذه الكتب يمثل روسو في عالم الفكر السياسي مرحلة الانتقال من النظرية التقليدية للدولة في القرون الوسطى إلى الفلسفة الحديثة حول الدولة.
ولم يعالج روسو نظم الدول الموجودة، خلافا لما صنع مونتسكيو وفولتير، فبينما كان مونتسكيو وفولتير، اللذان هما من أبناء الطبقة العليا، يقتصران على المطالبة بالإصلاح السياسي والديني وثلم شوكة الاستبداد، كان ابن الساعي روسو، كان ابن الشعب روسو، الذي قضى شبابا قاسيا، ينتهي بآلامه إلى ضرورة تجديد الدولة والمجتمع تجديدا كليا، ومن قول روسو: «لم يهدف مونتسكيو إلى معالجة مبادئ الحق السياسي، وإنما كان يكتفي بمعالجة الحق الوضعي (القانون) للحكومة القائمة، فلا يمكن أن يبدو اختلاف بين دراستين أكثر من هذا.» ومن ثم يكون روسو قد تمثل موضوعه مختلفا عن موضوع «روح الشرائع» كل الاختلاف.
وعن روسو وما كتب يقول المؤرخ الاسكتلندي المشهور توماس كارليل: «لقد قدر العالم على إلجاء ذلك البطل إلى الأسطحة، وعلى اتخاذه أضحوكة يسخر منها كما يسخر من البله والمجانين، وعلى إجاعته وتركه يتضور جوعا كالوحش المسجون، فهل قدر العالم على منعه من إضرام الثورة وإشعال الأرض نارا تلظى؟ لقد وجدت الثورة الفرنسية إنجيلها في كتابات روسو، وقد أحدثت آراؤه الشبيهة بالجنون في آفات المدنية وتفضيله عيش المتوحشين على عيش المتمدنين جنونا فاض في أنحاء فرنسة وغمرها.»
نابلس
الترجمة
Bog aan la aqoon