اشترك فيه نحو عشرين باحثا بين عالم وفيلسوف ولاهوتي وأديب، ولم يزد عدد المقرين لآراء وادنجتون في هذه المجموعة على اثنين، أحدهما جوليان هكسلي زميل وادنجتون في دراسات علم الحيوان وعلم الحياة.
والغريب في اتجاه هكسلي ووادنجتون أنهما عالمان من علماء الحيوان، ولكنهما يبنيان آراءهما على مدرسة التحليل النفساني ويدخلان هذه المدرسة بزاد غزير من دراسة الغرائز في الحيوان، ومن المقابلة بين الطفولة الحيوانية والطفولة الإنسانية في دور الاعتماد على الأبوين. ويقول هكسلي إن الوازع الأكبر في الديانات وقوانين الأخلاق إنما هو الأم مكبرة متعالية نامية في مخيلة الطفل مع نموه في الحياة العقلية والاجتماعية، ولا يستبعد قول القائلين إن الأخلاق الاجتماعية مستمدة في نشأتها الأولى من روح القبيل أو ما يسمونه بالنفس القبيلية (Tribal self) ، ولكنه يستند إلى دراساته للغرائز فيخطئهم في اعتبار الغرائز عادات موروثة وفي القول بأن الضمير غريزة من الغرائز، ويقول إن مذهبهم يرجع بكل شيء إلى القبيل ولا يدع محلا للفضيلة الفردية، وقد جمع هكسلي مساجلاته في هذه المباحث وضمها إلى ردوده على جده توماس هكسلي الكبير، ونشرها بعنوان التطور والأخلاق بين سنتي 1893 و1943 (Evolution and Ethics 1893-1943) .
وليس جوليان هكسلي بالعالم الوحيد الذي ينكر اعتبار الضمير غريزة من الغرائز الحيوانية، ولكنه في العصر الحاضر أشهر المنكرين لذلك استنادا إلى تجارب علم الحيوان وعلم الحياة، وهو في كليهما من الثقات المعدودين. أما الباحثون الفلسفيون والأدبيون الذين يرفضون اعتبار الضمير من الغرائز الموروثة فهم الكثرة الراجحة في العصر الحاضر، وحجتهم الغالبة هي أن الإنسان يصاب في ضميره فترجع به النكسة إلى غرائزه الأولى، وأن المفاضلة بين إنسان ذي ضمير وإنسان خلو من الضمير هي مفاضلة في الأوج لا في القرار، أي إنها لا ترجع بنا إلى الأغوار السحيقة في الماضي بل تتقدم بنا أحيانا إلى المستقبل البعيد، فيكون الرجل صاحب الضمير سابقا لزمانه بمرحلة واسعة، ومن شاء من فلاسفة العصر أن يستند إلى العلم في تعليل ضمير الإنسان زعم أن كبار المصلحين والقادة الدينيين أشبه بالفلتات التي تفسر التحول الفجائي (Mutation)
في عالم النبات، فقد يتغير النبات قليلا ثم تظهر فيه فجأة فلتات غير منظورة (Sports)
تترقى به طفرة ولا يقاس عليها في جميع الأحوال، وكذلك المصلحون والقادة الدينيون الذين ترتفع ضمائرهم إلى الذروة العليا بين أقوامهم وأبناء عصورهم، فإنهم طفرة في سبيل التقدم وليسوا بالرجعة إلى الغرائز المتروكة منذ زمن سحيق، وكثيرا ما يكون التقدم هنا ناشئا عن ترك أثر قديم واكتساب مزية جديدة، فهو ارتفاع في الأوج وليس بالغوص في القرار. •••
ومن نظرة سريعة يتبين لنا أن اشتراك العلوم الكثيرة في دراسة الأخلاق كان لها أثران متعارضان: أحدهما إلى التعسير والآخر إلى التيسير.
تفتحت الأبواب وتشعبت المسالك فازدادت مصاعب السير فيها وتقاطعت مداخلها ومخارجها فتعسر الوصول إلى غاياتها.
لكن هذا التشعب قد كان له أثر ميسر يعين الباحث على التمييز والتبسيط شعبة شعبة من مراحل الطريق. فقد تشعبت المتشابهات فظهرت الفروق التي بينها وتيسرت التفرقة بين أشتات من المسائل كانت ملتبسة متشابكة إلى زمن قريب.
أصبح الباحث الأخلاقي يميز بين ألوان مختلفة من الواجبات والمحرمات ومن الأوامر والنواهي، واتضحت أمامه إلى اليوم مناهج ثلاثة يستطيع أن يلمس حدودها في مواقعها البارزة ومراميها القريبة على الأقل، إن لم يلمسها في كل موقع وفي كل مرمى.
فلا التباس اليوم بين وازع الأخلاق ووازع القانون ووازع العقيدة الدينية، وليس اتفاقها في الإباحة والتحريم أحيانا بالذي يمنع الباحث أن يعرف لها صيغتها ويميز طبيعتها، فلا يخلط بين أوامر القانون وأوامر الأخلاق وأوامر الدين.
Bog aan la aqoon